184

বিসমার্ক

بسمارك: حياة مكافح

জনগুলি

وبسمارك في خمس سنين ألهى نابليون بالحديث حول بلجيكة، وبسمارك بعد أن أبصر قوة نفسه أوصاه بأخذ اللوكسنبرغ على أنها في الدرجة الثالثة من بلجيكة؛ وذلك لأن طمع الفرنسيين في الأملاك وهم الذين أوجب توسع بروسية قلقهم، لم يهدف إلى غير فراسخ مربعة، سواء أكان ذلك في نيس أم في بروكسل أم في تريف أم في لندو أم في اللوكسنبرغ، ولا شيء يدل على حب نابليون الثالث للنفوذ المحض في مزاعمه أكثر من نقص خياره، وهو أنه لا يبحث عن الأنفع، بل يتطلع إلى ما يسوله له خياله، وكان بسمارك سخيا في عرضه بلجيكة على الخصوص، والآن حين حلت الجامعة الألمانية أمكنه أن يكون كريما بعرضه اللوكسنبرغ أيضا، وذلك مع تصريحه بزوال حقوق بروسية عنها مع مرور الزمن، ويلوح لبسمارك أن أسهل طريق وأنسب سبيل لإرضاء فرنسة هو أن يبيع ملك هولندة (وهو الذي أصبح بالوراثة والمبادلة صاحبا للوكسنبرغ منذ ثلاثين سنة) هذا البلد الصغير من نابليون الثالث ببضعة ملايين من الفرنكات، «فأمضوا عقد البيع من فوركم، ثم أخبرونا بذلك.» وهذا ما قاله بسمارك لبنيديتي، وهذا لكي يجعل بسمارك الريشتاغ أمام أمر واقع!

ويدور بين الناس خبر ذلك المشروع، ويرفع في جميع ألمانية صوت كما رفع أيام مسألة شليسويغ وهولشتاين، فيقال: «لا ينبغي لعدونا التقليدي أن يقبض على بلد ألماني من الأساس.» ويريد أركان الحرب شهر الحرب لعدم استعداد فرنسة لها، ويحول بسمارك دون ذلك، وينذر بسمارك خصومه بنشر صكوك الحلف الدفاعي الهجومي مع دول الجنوب، ويفيد بسمارك من مخاوف ملك هولندة الذي لم يبين له بسمارك ماذا يود، ولا يدع بسمارك جنرالا هنغاريا يباغته فيحول الحديث من فوره إلى احتمال محاربة فرنسة، ويقول ذلك الجنرال: «لا أزال أذكر التماع عينيه حينما أبصر معرفتي لأفكاره السرية، وقد كان من ضبط النفس ما لا أستطيع معه غير الإعجاب به، وقد قال لي برقة: لا أريد محاربة فرنسة أبدا.» ثم التمس بسمارك من هذا الجنرال المجري أن يبلغ إلى الإمبراطور ضرورة استدعاء بنيديتي، ويقول بسمارك لهذا الجنرال: «على أن صاحب الجلالة الإمبراطور يعرف آرائي حول بلجيكة من مشروع المعاهدة التي حادثت بنيديتي في أمرها، وأما اللوكسنبرغ فلا أبالي برأي الأكثرية فيها، وإنما أقول خذوها!» ويقص الجنرال الهنغاري الخبر في قصر التويلري فيقول الإمبراطور: «أعرف جيدا أن بنيديتي مزعج، وهو قد ملأنا وعودا، وزد على ذلك كون بسمارك يعرض علينا دوما ما لا يملك.»

ويريد بسمارك اجتناب محاربة فرنسة، ويحادث بسمارك نائبا في مسألة الحرب فيضع الأمر كما يأتي: «لا أعد الحرب أمرا لا مناص منه، ولا أجد نفعا جديا لنا ولا لفرنسة، لا يمكن تقريره بغير قوة السلاح، ولا يجوز لأحد أن يبادر إلى الحرب ما لم يوجبها شرف البلاد (الذي يجب ألا يخلط بالنفوذ) أو مصالحها الحيوية، ولا يحق لرجل سياسي أن يبدأ حربا لاعتقاده أنها أمر لا مفر منه في زمن معين، ولو سار وزراء الخارجية مع ملوكهم أو قوادهم إلى ميادين القتال لسجل التاريخ من الحروب ما هو أقل مما وقع، وقد رأيت الشبان يهلكون في ساحة الوغى وفي المشافي العسكرية، والآن أرى من هذه النوافذ كثيرا من مقعدي الحرب يرفعون رءوسهم وهم يمرون من ولهلمستراس فيقول الواحد منهم في نفسه حينما ينظر إلى وزارة الخارجية: لولا ذلك الرجل الجالس هنالك، ولولا ما أوجبه من حرب لعينة، لسلمت أعضائي الأربعة وتمتعت بصحة جيدة، وهذا إلى ما لا يتيسر لي من ساعة راحة، وهذا إلى ما يساورني من لوم نفسي على شهر حرب عن طيش أو عن طموح أو عن حب لفخر الأمة.»

ويروي نجيه

3

كودل صدور مثل تلك الأحاديث عنه سواء حول مائدة الكتابة أو في المساء بعد العمل، ويظهر أن تلك الأحاديث صحيحة وأنها تنم على شعور أعمق من الذي يخالط خطب المنابر المدقق فيها، ونسبر غور الفؤاد البشري في تلك الأوقات حين لا يحدث عن الله أو عن الملك، ونبصر كيف أن حسابات لاعب الشطرنج الدقيقة تحرك الفؤاد وتقيده، ونرى في المرصد الهادئ المنفرد تسجيل عقرب مقياس الزلازل الصادق لهزات داخل الأرض.

ويخاف ملك هولندة ثوران ذلك البركان ويطلع بسمارك على ما تعرضه فرنسة، ويزيد الهياج في ألمانية، ويتكلم كل إنسان عن ذلك الإخلاء الذي سيقع في الحال، ويزور بنيديتي بسمارك في اليوم الأول من أبريل صباحا ليهنئه بعيد ميلاده، ويود هذا السفير أن «يبلغ إليه رسالة مهمة»، ولكن بسمارك يقاطعه بقوله: «ليس لدي وقت أعالج فيه الأمور، وعلي أن أذهب إلى الريشتاغ لأجيب عن سؤال حول اللوكسنبرغ، وإذا ما رافقتني أطلعتك على مضمون جوابي، ولن أسمع قولا عن نتيجة المفاوضات؛ لأن هذا يعني قطع العلاقات بفرنسة، ولو حدث أن علمت بيع ذلك البلد رسميا لوجب علي أن أبلغ ذلك إلى الريشتاغ، والآن نحن هنا، ولأفارقك، وهل لديك يا صاحب السعادة برقية تعطيني إياها؟» ويبتسم المتفائلون.

وفي الداخل يغدو بنيغسن مشهورا؛ نتيجة لخطبة وطنية طنانة نطق بها، ويتفاهم هذا الخطيب مقدما هو وبسمارك ليظهر لفرنسة قوة الحركة القومية في ألمانية، ويقول هذا الخطيب: «وهل قررت حكومة بروسية أن تسير وفق رغبة الريشتاغ الإجماعية فتعمل من غير خطر وباستمرار على ربط دوكية اللوكسنبرغ الكبرى ببقية ألمانية وعلى حفظ حق بروسية في فتح قلعة اللوكسنبرغ؟» ولم تعد هذه المسألة حد البيان لما عقبها من تظاهر جميع الأحزاب العجيب، وينهض بسمارك ليلقي إحدى خطبه البارعة، واليوم يستطيع بسمارك أن يصير شعبيا، ولا شيء أسهل من هذا؛ فما عليه إلا أن يترنم بالشرف القومي؛ أي بالحرب حتى يلتف الجميع حوله، غير أن بسمارك رأى أن يسلك سبيل الحذر أمام ذلك المجلس الهائج بدلا من أن يبدو رجل الحديد، فإليك ما قال: «بعد النظر إلى دقة شعور الشعب الفرنسي، وبعد النظر إلى العلاقات السلمية الودية بين الحكومة البروسية وحكومة تلك الأمة المجاورة العظيمة، أترك السؤال الذي وجه إلى حكومة جلالته بلا جواب.» ويسود الجو صمت عجيب، ويقول بسمارك: «وليس لدى حكومة جلالته ما يدفعها إلى افتراض عدم وجود قرار حول مستقبل ذلك البلد حتى الآن، كما أنها لا تعرف أن العكس هو الصحيح، وأنه إذا ما اتخذ قرار في ذلك لم يصل إلينا أو أنه لن يصل إلينا.»

ويصل فحوى ذلك الكلام مساء إلى ملك هولندة فيمتنع عن التوقيع الموعود حول بيع اللوكسنبرغ، ويستحوذ الذعر على الرجل المريض نابليون، وتضطرب وزارات أوروبة، وتتبادل هذه الوزارات البرقية بالشفرة،

4

অজানা পৃষ্ঠা