140

বিসমার্ক

بسمارك: حياة مكافح

জনগুলি

ويخضع بسمارك لمليكه رويدا رويدا إذن، وتنمو في بسمارك بالتدريج عاطفة نحو هذا الرجل الذي سلم إليه مقاليد الأمور، وتزيد هذه العاطفة بعد موت الملك فتتحول إلى حب تجد رد فعل له في حقده على ولهلم الثاني وبقية ورثته، ويشعر بسمارك في جميع أزمات السنوات العشر الأولى بثبات ارتباطه في مولاه مبصرا ما يبديه من الشجاعة في ميدان القتال ثم فيما يوجه إلى حياته من الاعتداءات.

وما كان الملك ولهلم ليخشى غير «حيل زوجه وانتقادها»، وما كان لأمر أن يخفف حقد بسمارك على النساء، ولا سيما أوغوستا، لمحاولتهن تمثيل دور في ميدان السياسة، ويرجع نفوره من الملكة إلى تلك المحادثة التي وقعت بينهما أيام مارس في غرفة الخدم بقصر بوتسدام، ولم يلطف أي شعور ملكي هذه الكراهية، ولم يعدل هذا النفور ما صدر عن بسمارك من تسامح تجاه النساء حين تكلم عن «حقوق السيدات».

ويحدث بسمارك عن اصطدامه هو وأوغوستا فيقول «إنه أعنف اصطراع وقع في حياته.» وكانت أوغوستا تؤثر في زوجها بدروس تلقيها عليه في مخدعها؛ فما يكون لهذه الدروس من النفوذ البالغ في الملك فموضوع ألم لبسمارك يكاشف به زوجه، ولم تكن أوغوستا التي «أبصرت عيني غوتة» على غير جدوى لتطيق نظر بسمارك في غير حمى مقامها الخاص، ولو كان لدى أوغوستا أي رأي سياسي أو خيال تقيمه حيال ما لديه لأمكن الإعجاب بها حتى في هزيمتها، ولكن لم يكن عندها سوى جمل إنسانية مبهمة يستتر وراءها خوفها من عودة مثل عام 1848. وهي حينما قابلت لدى خلصائها بين الملك ولهلم ووزرائه من ناحية ولويس السادس عشر وسترافورد وبولينياك من ناحية أخرى؛ بدا لها أن بسمارك رأس المؤثرات المهلكة في زوجها، وقد نسيت أنه - لا هي - هو الذي كان على صواب في أيام مارس، وأنه حفظ لها التاج برفضه الموافقة على خططها، وأنها كانت مستعدة لعزو أفظع المثالب إليه بدلا من أن تعترف بأنه المدافع عن حقوق الملك فتمجده.

وما كان عند بسمارك من سوء ظن وبغض للناس فيقوده في الغالب إلى اعتقاده الخاطئ بأنه مضطهد، ولكن ما كان من صبره في ست وعشرين سنة على «تدخل أوغوستا ومعارضتها في شئون الحكومة» بما لا يطاق فيحفزنا إلى الرثاء له في الحقيقة، ولا غرو ، فهذا البطل العاطل من السلاح كان يحتمل ضربات الملكة صامتا، وإذا وقع مولاه تحت نفوذ الملكة أوغوستا، وهذا يحدث وقت الإفطار في الغالب برسائل كتبت لهذا الغرض؛ عرف مصدر ذلك في الحال، وإذا حدث في السنوات الأولى أن ألمع إلى ذلك كانت النتيجة «إنكار ذلك بشدة، فالملك كان يحاول أن يحول دون اعتقادي تلك الأمور ولو كانت صحيحة».

وكان بسمارك لا يحول الملك عن زوجته ليصل إلى غايته إلا بوسائل غريبة ومداورات لطيفة. وفي سنة 1865 يناقش في غاستن

2

حول محالفة النمسة، ويبدو كل شيء ضد سياسة بسمارك مرة أخرى، ويبدي الملك له أنه اتصل بالملكة اتصالا سريا، ويذهب بسمارك إلى منزله قانطا لتلك الثرثرة البيتية التي أبصرها، والتي قد تفسد خططه، ويجلس ويكتب عريضة مطولة بخطه لعدم ثقته بغير نفسه في أمور دقيقة كهذه. وفي تلك الوثيقة يقول بسمارك:

أطمع في عفو جلالتكم الممزوج بحسن العاطفة إذا ما جعلني حرصي على خدمتكم العالية أعود إلى ما تفضلتم علي به من الاتصالات، وأشاطر رأي جلالتكم في أن جلالة الملكة تحفظ سر اتصالكم بها، ولكن إذا حدث في كوبلنز أن لمح إلى الأمر أمام الملكة فيكتورية وولي العهد وقرينته نتيجة لصلات القرابة، أو لوح به في فيمار أو في بادن؛ كان ذلك دليلا كافيا على أن السر الموعود لم يحفظ، فينجم عن ذلك إثارة حذر الإمبراطور فرنسوا جوزيف وحبوط المفاوضات، ويؤدي هذا الحبوط إلى محاربة النمسة لا محالة.

ولكم - يا صاحب الجلالة - ألا تنظروا إلى الأمر من حيث اكتراثي لخدمتكم العالية فقط، بل من حيث إخلاصي لشخصكم السامي أيضا، وذلك عند عدم منع نفسي من التفكير في أنكم ذاهبون إلى محاربة النمسة بمشاعر وشجاعة من طراز غير ما تقضي به الضرورة الصادرة عن طبيعة الأمور وعن واجبات الملك أكثر من صدورها عن رأي مبيت يحمل الإمبراطور، بما كان من إفشاء سر، على إعراضه عن أقصى ما ترضون به من الوسائل، وقد يكون تحسبي مخالفا للصواب، وتحسبي هذا إذا كان في محله، وكنتم - يا صاحب الجلالة - راغبين عنه اعتقدت معه أن الله هو الذي يوجه فؤادكم فأقوم بأمور الخدمة مسرورا، ولكنني أرى إراحة ضميري فأجرؤ على السؤال مع الإجلال عن أمركم إياي - يا صاحب الجلالة - بأن أستدعي الرسول من سالزبرغ برقيا، وقد تصلح الأعمال الوزارية المستعجلة ذريعة لهذا الاستدعاء، ويمكن إرسال رسول غيره أو إعادته في اليوم التالي مع ذلك. وأثق بكرمكم - يا صاحب الجلالة - ثقة احترام فأحس معها أنكم حتى عند عدم موافقتكم على اقتراحي، تغفرون لي ذلك فتعزونه إلى حرصي الخالص على خدمة جلالتكم، لا عن واجب فقط، بل عن غيرة لنيل رضاكم أيضا.

أحقا أن نصف قرن مر على قطب سياسي كذلك رأى من الضروري أن يكتب مثل تلك الرسالة إلى ملك لولا ذلك القطب ما كان لاسمه في التاريخ غير رقم؟ ألا نظن عند قراءة تلك الرسائل أننا تجاه مستعطف يلتمس وساما أو يطلب عفوا؟ إن ما يجري هنا في غاستن هو من الأمور التي أنعم كاتب تلك الرسائل نظره فيها طويلا راجيا أن ينقذ مولاه من الموافقة على الصراع الطويل، وما كان للرب ولا للضمير ولا للواجب ولا للخدمة فعل في ذلك الرأي، وإنما وجد هنالك لاعب شطرنج ماهر يدحر خصمه بحيل بعيدة الغور إلى زاوية فيغلبه في نهاية الأمر، والآن في أثناء أعقد المفاوضات يبصر بسمارك الذي تعب من مكافحته مولاه أن الخطر يحيق بعمله لما قد يفشي من سر خططه بثرثرة البلاط، ويفكر بسمارك في الطرق التي يمكن أن يباح بها سر خطة فينقل من بلاد إلى أخرى، وذلك بأن تطلع أوغوستا الأميرة فيكتورية عليه فيمكن فيكتورية هذه أن تنبئ أمها الإنكليزية به، فتخبر ملكة إنكلترة فينة أودرسدن بذلك عن ولع أو عن حقد، فيسفر ذلك عن إبطال كل شيء بسرعة. وهل من الغريب إذن أن يزيد ازدراء بسمارك لذوي التيجان يوما بعد يوم وسنة بعد سنة؟ والذي يثير دهشنا هو أن يظل ملكيا!

অজানা পৃষ্ঠা