123

বিসমার্ক

بسمارك: حياة مكافح

জনগুলি

خده، ويغدو الأمر واضحا لشلوزر، ويعير شلوزر بسمارك «قطعة من ذهنه» ويقول: «تلك صراحة لم يتعودها الرئيس.» ويمضي يومان فيرسل مرسوم من السفارة إلى شلوزر ليضع توقيعه عليه، وفيه يقال: «أرجو من فون شلوزر أن يأتيني في الساعة الحادية عشرة من كل يوم للبحث في المسائل الجارية.» ويحضر شلوزر منتصبا أنوفا ويسأل: «ماذا يعمل في هذا النهار؟» ويرتبك بسمارك قليلا ثم يقول: «لا شيء، لم أرد السير على هذا المنوال، وإنما أطلب مجيئك عندما يكون هنالك أمر يعمل.»

والآن يدخل بسمارك دورا من النضال، والآن يرى أي الرجلين أصلب عودا من الآخر، والآن ينظر إلى كل ما يخص المصلحة، «ولكنني لم أبد له وجها طليقا، ولم يحدث أن عملت مع شخص من ذلك الطراز فيما مضى، وليس في الأمر ما يسر، وأي شيء أدعى إلى النفور من الإذعان؟» وكلا الرجلين يكتب رسائل نارية. ويكتب بسمارك إلى رئيس الوزراء قوله: «إن فوز شلوزر موظف سطحي، وهو من قلة الأدب ما يدعو إلى الحيرة.» وتنظر المراكز العليا ببرلين إلى السكرتير بسمو، وتعد السفير رجلا خطرا، فلم تبد حراكا، ويعبر شلوزر عن مشاعره في رسائل ومفكرة فيكتب بعد أسبوع: «إن ما يقوم به من الاستبداد المستمر ذلك الرئيس الذي لا يعد الآخرين إلا من الضعفاء، والذي يحيط خططه بالغموض فيحاول خدع سامعيه، والذي لا يثق بأحد، فمن المناظر المؤذية، وليس لي ما أعمله معه سوى القليل، وعلى الرجل أن يكشر له عن أسنانه وإلا ضاع، وما سياسته إلا عصر لليمون ورمي له بعد ذلك.» ثم يرى حوك الدسائس حوله، فيقول: «تبصر العملاق المقاتل بسمارك في الدهليز. وقد كنت من الصراحة تجاهه ما أخذ يتحداني معه، وهو لم يبد موفقا في السلك السياسي حتى الآن.»

وتمضي ثلاثة أسابيع، فيقول: «كلما دخلت مكتب الباشا قلت في نفسي: لا تكن لينا، لا تدعه يأخذك على حين غفلة! هو يود تمثيل مهزأة الصلح ولكنني لا أود ذلك. وإني على ما يساورني من عرفان بعقله الجبار وإني على ما يواثبني من وجوب دعوته بالسيد؛ لا أجد في نفسي ما يحفز إلى تلبية ذلك النداء، فعليه أن يعترف بجوره علي.»

ويمضي شهر آخر، فيقول: «يبدي الباشا رفقا، ويظهر الباشا ودا، وأظل فاترا، غير أن الباشا تغير، فيثني علي في غيابي. هو لا يصحح مسوداتي الآن. هو مريض منذ ثمانية أيام، فيجعله هذا أكثر دعة واعتدالا.» ويلتحق بالسفارة أحد الأمراء، كروا، بطلب من الرئيس، فيبدو هذا الأمير، بسرعة، عاجزا مضحكا، ولا شيء أدعى إلى سرور بسمارك من أن «يهزأ بالرجل، ولكنه لم يوفق في ذلك لما لم أبد له من لطف، حتى إنني رفضت دعوته إياي إلى الغداء، كما رفضت ما كان يقدمه إلي من السيغار غير مرة، والحق أنك إذا عدوتني وجدت كل واحد يخشاه، وفي هذا سر غضبه علي.»

وتمضي ستة أشهر، ويغادر شلوزر السفارة مع مرض الرئيس فيكتب إلى كنته معتذرا عن عدم إرساله كتابا إليها بقوله: «سبب ذلك هو الباشا، فقد بلغت روحي من الارتباك به ما لا أريد معه أن تطلعي على هذا الارتباك.» وفي شهر فبراير يكتب إليه الرئيس عن الأثاث والخدم ما دام لا يوجد غيره من يستطيع معالجة ذلك، «وهكذا يعض الباشا على التفاح المر فيكتب إلي كتابا خاصا، وأرسل إليه جوابا مناسبا، وأرسل إليه بطارخ مرتين كما طلب»، وفي الوقت نفسه يرسل بسمارك إلى رئيسه ببرلين كتابا يقول فيه: «لا يسعني سوى الثناء على فون شلوزر، فأمحو رأيي السيئ السابق فيه» وكان هذا بعد الاجتماع الأول بسنة واحدة تقريبا.

وتمضي ستة أشهر فيكتب شلوزر في الصيف قوله: «يسير كل شيء مع بسمارك على أحسن وجه، وفي برلين كان قد قيل لي إنه أثنى علي في ولهلمستراس، وإنه استرد مخلصا كل ما أبداه في البداءة ضدي حينما كان مريضا منكدا سياسيا حانقا علي بفعل بعض الأشخاص على ما يحتمل. والآن تطوى تلك الصفحة، وغير هذا أمر السياسة حيث يظهر الرجل جهنميا، ولكن إلى أين يهدف؟» ثم يقول: «إنه يدعوني إلى العشاء كل يوم فأتناوله معه، وليس لدي ما يوجب مخاصمته، والسياسة قد حلت فيه، فهو عنوانها، وكل شيء يجيش فيه، وكل شيء يحفزه إلى العمل والتكوين، هو يحاول أن يحل النظام محل الفوضى في برلين من غير أن يعرف كيف يصل إلى ذلك بعد. هو رجل عجيب مملوء بالمتناقضات ظاهرا.» وتمضي سنتان على وصول بسمارك إلى سان بطرسبرغ فيكتب إلى برلين مطالبا باسترجاع الأمير كروا وبجعل شلوزر السكرتير الأول، ويقرأ هذا الكتاب على الممدوح شلوزر قبل إرساله، ويقول فيه: «إن شلوزر صعب المراس في صلاته برؤسائه، وقد قضيت معه أوقاتا سيئة في بدء الأمر، بيد أن ما بدا من جدارته وأمانته في الخدمة محا رأيي الرديء فيه.»

ذلك حادث فريد في حياة بسمارك، ولا يكاد بسمارك يرى في المستقبل مرءوسا مستقلا، ولن يحتمل بسمارك مرة أخرى وجود رجل جموح بجانبه، ومن العجب أن اعترف كل من الخصمين بقيمة الآخر، فبسمارك قد أقر بإخلاص شلوزر، وشلوزر قد أقر بعبقرية بسمارك، وتتوتر صلاتهما الرسمية في البداءة، ثم تصبح ميدانا يتسابق فيه زهوهما فلم يرد كل منهما أن يغلبه الآخر بسنه ومقامه، بل عن عبقرية وخلق، وهما لاتصاف كل منهما بالعبقرية والخلق كتب لهما الفوز في نهاية الأمر ولم يصب أيهما بهزيمة.

الفصل السابع

في ذات يوم من يوليو وبعد شهرين من وصول السفير الجديد بسمارك إلى سان بطرسبرغ، يجول هذا السفير راكبا في ميدان للترويض حار، ثم يرجع إلى منزله غير لابس معطفا، فيشعر بألم في ساقيه، ويستدعي طبيبا ألمانيا فيضع هذا الطبيب لزقة على ساقه اليسرى، ويشتد وجعه في الليل فيخلع هذه اللزقة، وفي الغد يبصر أحد عروقه في حال يرثى لها، فيزيد غضبا لعجزه عن تعيين أي الرجلين هو «السام»: آلطبيب أم الصيدلي؟ ويرى جراحي روسي مشهور أن الضرورة تقضي ببتر الساق، ويسأل المريض: «أيكون البتر فوق الركبة أم تحتها؟» ويشير الطبيب إلى فوقها ويرفض بسمارك ذلك، ويبحر إلى ألمانية مع مرضه.

وبذلك يضحي منصبه وعمل حياته في كف عفريت، أجل إن بسمارك لا يخسر ذكاءه بساق واحدة، ولكنه لا يصيب بذلك نجاحا مثل الذي كان يتم لذكائه بفضل هيئته وحضوره وجرأته، وفي برلين تنقذه طبيعته الجبارة، وفيما هو يعود إلى سان بطرسبرغ نصف متعاف؛ إذ يستريح مع أسرته في ملك لصديق له قليل وقت، فيشعر باضطرار إلى التزام السرير مرة أخرى؛ فقد ظهرت في العرق المعطل دمة،

অজানা পৃষ্ঠা