Biography of Lady Aisha, Mother of the Believers
سيرة السيدة عائشة أم المؤمنين
তদারক
محمد رحمة الله حافظ الندوي
প্রকাশক
دار القلم
সংস্করণের সংখ্যা
الأولى / ١٤٢٤ هـ
প্রকাশনার বছর
٢٠٠٣ م
জনগুলি
بسم الله الرحمن الرحيم
1 / 2
سيرة السيدة
عائشة أم المؤمنين
﵂
1 / 3
طبعة دار القلم الأولى
١٤٢٤ هـ - ٢٠٠٣ م
حقوق الطبع محفوظة
1 / 4
تقديم
بقلم
الأستاذ سعيد الأعظمي الندوي
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الأنبياء وإمام المرسلين: محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
وبعد: فإنني لا أكاد أنسى ذلك اليوم السعيد، الذي يرجع تاريخه إلى عام ١٩٨٦ م، يوم حظيت بزيارة الأخ المفضال سعادة الأستاذ محمد علي دولة في مقره العلمي في جدة، بعد عودتي من أداء فريضة الحج من مكة المكرمة، وكانت معي زوجتي العزيزة (حفظها الله تعالى)، فرحب بنا الأستاذ الكريم، وأكرمنا بضيافة كريمة لم تكن تخلو من مبرة علمية، وهي أنه خلال هذا اللقاء وتبادل الآراء حول إحياء بعض المآثر العلمية التاريخية في الهند التي ألفت باللغة الأردية، وترجمتها إلى اللغة العربية، سألني عن كتاب «سيرة السيدة عائشة"ض"» للعلامة السيد سليمان الندوي (ح)، وترجمته إلى اللغة العربية. وقد كان وعد مني بالقيام بهذا العمل، وفعلا بدأت ترجمة الكتاب إلى اللغة العربية، ولكنني واجهت مشكلة تخريج الأحاديث التي تتضمنها هذه السيرة الطيبة من مصادرها الأصلية، ذلك أنني لم أر من المناسب أن أترجم هذه الأحاديث التي شملت الكتاب بمفاهيمها الأردية دون إشارة إلى نصوصها العربية، فأسندت هذا العمل إلى أخي العزيز الأستاذ محمد رحمة الله الندوي، الذي كان طالبا في جامعة ندوة العلماء يوم ذاك، وطلبت منه تخريج الأحاديث من مصادرها، وقد وفق إلى ذلك بشكل جزئي لم يسعفني في تقديم عملية الترجمة، حتى توقفت عن الترجمة لبرهة من الوقت ريثما يتيسر لي عمل التخريج في فرصة مواتية.
1 / 5
ولكن شغلني أداء المسؤوليات العديدة والأعمال الرتيبة التي كنت مسؤولا عنها بحكم وظيفتي في جامعة ندوة العلماء ومجلة البعث الإسلامي.
وسافر الأخ العزيز محمد رحمة الله الندوي إلى الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة لتلقي المزيد من العلم وتقوية اللغة العربية التي كان قد تعلمها في ندوة العلماء، وكان مبرزا فيها بين زملائه، وهنالك بدا لي أن يتولى الأخ العزيز ترجمة هذا الكتاب إلى اللغة العربية، نظرا إلى أشغالي وأعمالي، وما حصل فيها من التأخير، ونحمد الله على ما وفقه لهذا العمل، واستكمال ترجمة الكتاب، وإعداده للطباعة ولو بشيء من التأخير، فقلت في نفسي: إن لم أتمكن من القيام بهذا العمل العلمي العظيم فقد وفق إليه أخ عزيز علي أثق فيه وأعتبره جديرا بأن يتحمل هذا العبء الثقيل، الذي لم أستطع أن أتحمله، فجزاه الله تعالى أحسن ما يجزي به عباده العاملين المخلصين، ويتقبل عمله، ويعم نفعه في الأوساط العلمية والدينية.
...
أما الكتاب - وهو من تأليف العلامة السيد سليمان الندوي (ح) أحد كبار علماء ندوة العلماء وأستاذ سماحة العلامة الشيخ أبي الحسن علي الحسني الندوي (ح) - فإنه يتميز بالتحقيق العلمي والدراسة التاريخية لحياة أم المؤمنين السيدة عائشة (ض)، التي كانت مدرسة علمية عظيمة لكبار الصحابة (ض) الذين كانوا يستفيدون منها في جميع المسائل العلمية والقضايا الدينية، وكانوا يراجعونها في كثير من الأحكام الفقهية الدينية لأنها كانت ذات رسوخ وتفقه فيها.
ومن هنا كانت شخصية أم المؤمنين مصدرا كبيرا للعلم والدين وعلوم الكتاب والسنة، وكانت تتميز بالورع في بيان الآراء الذاتية، فكانت أمينة سر النبي ﷺ في جميع جوانب الحياة، وحافظة لأحاديثه ﷺ التي سمعتها وروتها.
لقد تحدث المؤلف الكريم (ح) عن حياة أم المؤمنين ومكانتها العلمية
1 / 6
والحديثية والفقهية، وبصيرتها الدينية، وتوجيهاتها في المسائل والقضايا الحيوية، ولم يترك شيئا من تميزاتها وخصائصها، وما كانت تتمتع به من الرؤى الصالحة والنظرة العميقة في الشريعة الإسلامية، فضلا عما أودع الله فيها من البراعة العلمية والذكاء الخارق، والحب العميق الخالص لسنة رسول الله ﷺ، والحرص الشديد على اتباعها، وعلى تطبيق الشريعة الإسلامية على حياة المسلمين فردية وجماعية، في جميع المجالات والمناحي.
وهناك مؤلفات عديدة حول حياة أم المؤمنين لا تنقصها الموضوعية والأصالة الدراسية، إلا أن لكل مؤلف منهجا خاصا في عرض الصور الحية، وأسلوبا متميزا للبيان الواضح، ولعل هذا الكتاب يفوق في بعض جوانبه كثيرا من الكتب التي صدرت وتصدر في المستقبل في هذا الموضوع.
وإنني إذ أهنئ المترجم العزيز والناشر الكريم على طبع هذا الكتاب الجليل في ثوب قشيب وأنيق؛ أرجو أن يتقبل الله من الجميع مجهوداتهم في إعداد هذا الكتاب وإصداره، ويجعله من الذخائر العلمية والدينية التي لها قيمة كبيرة في الدنيا والآخرة، والتي تعتبر زيادة قيمة في المكتبة الإسلامية.
ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم، وصلى الله تعالى على خير خلقه محمد وعلى آله وأزواجه وأصحابه وبارك وسلم.
لكنو ١٢/ ٤ / ١٤٢٣ هـ
٢٤/ ٦ / ٢٠٠٦ م
كتبه بيمينه
رئيس تحرير مجلة البعث الإسلامي
ومدير جامعة ندوة العلماء بلكنو الهند
1 / 7
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة المعرب
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وبمنه وكرمه تكمل الأهداف والغايات، والصلاة والسلام على المبعوث بالهدى ودين الحق من فوق سبع سماوات، وعلى الأنبياء والمرسلين كافة، وعلى الأصحاب الغر المحجلين، وآل نبينا وأزواجه المطهرات.
وبعد: فإن أخص ما يبهر طالب العلم في سيرة أم المؤمنين عائشة (ض) هو علم زاخر كالبحر بعد غور، وتلاطم أمواج، وسعة آفاق، واختلاف ألوان، فما شاء امرؤ من تمكن في فقه أو حديث أو تفسير، أو علم بشريعة، أو آداب، أو شعر، أو أخبار، أو أنساب، أو مفاخر، أو طب، أو تاريخ، إلا هو واجد منه ما يدهشه عند هذه العبقرية الفذة، ولن يقضي عجبا من اضطلاعها بكل ذلك وهي لم تتجاوز بعد الثامنة عشرة من عمرها.
ومن هنا نوقن أن حياة أم المؤمنين بنت مجدا باذخا لتاريخ المرأة العلمي في الإسلام، بل إن عبقريتها وحدها كفيلة بملء تاريخ كامل، فلا نجد في عبقريات الرجال والنساء في تواريخ الأمم ما يداني مكانة أم المؤمنين (ض).
فمن هذا شأنها وهذه مكانتها وتلك درجتها وعظمتها كانت أحق وأجدر بأن تدرس حياتها، ويهتم بإبراز أهم خصائص شخصيتها، وذكر مناقبها وفضلها على الأمة الإسلامية جمعاء، بل هو دين في عنق الأمة يجب أن تقوم بأدائه.
1 / 9
وفي اعتقادي إن كتاب كبير علماء الهند في عصره وشيخ الندويين العلامة السيد سليمان الندوي (ح) أولى المحاولات من نوعها لأداء هذا الدين، وكشف الستار عن مكانة هذه العبقرية الفذة والشخصية العظيمة التي صنعت العظائم، كيف لا! وقد ظفرت بالرعاية التي هي خلاصة الكرامة التي هيأتها لبناتها حمية البداوة، وصقلتها مع الزمن شمائل الحضر ومآثر الشرف والسيادة.
وقد تبع الشيخ الندوي (ح) علماء (١) كتبوا عن سيرة وشخصية أم المؤمنين (ض) إلا أن كتاباتهم تأتي في إطار خاص، وتتناول جوانب معينة، ومعظمها لا يتجاوز سرد الوقائع والأحداث الواقعة في حياتها.
أما كتاب الشيخ الندوي فهو في رأيي بمثابة موسوعة علمية وحضارية وثقافية لعصر أم المؤمنين وحياتها، يبرز كل جانب من جوانب حياتها من العلم والفقه والاجتهاد والتوجيه والإرشاد، والاجتماع والسياسة، بالإضافة إلى تقديم نموذج مثالي للعشرة الزوجية المتكاملة، التي من حقها أن توصف بأنها حياة زوجية سعيدة، لأننا لا نعرف بين أزواج الهداة والعظماء من ظفرت بأسعد منها، أو كانت أرضى من أم المؤمنين عن حياتها.
ولما طلع هذا السفر العظيم (كتاب سيرة عائشة) على منصة العلم والأدب، الذي فاض به القلم السيال من صاحب القدم الراسخ والعقل الثاقب والفكر الناقد نسيج وحده الشيخ الندوي، كان ذلك منا منه على سائر الأوساط العلمية، وإضافة جديدة لذخائر المكتبة الأردية، وفضلا عظيما على
_________
(١) ومن هؤلاء العلماء: الكاتب المشهور والأديب النقاد عباس محمود العقاد الذي ألف كتابه «الصديقة بنت الصديق» وقد طبع في دار المعارف بمصر عام ١٩٥٨ م، والأستاذ سعيد الأفغاني الذي ألف كتابه «عائشة والسياسة»، ثم جاء بعده الأستاذ عبد الحميد طهماز وألف كتابه «السيدة عائشة أم المؤمنين وعالمة نساء الإسلام» وطبع ضمن سلسلة «أعلام المسلمين» تحت إشراف ورعاية صاحب السعادة الأستاذ محمد علي دولة الموقر حفظه الله تعالى، وذلك في دار القلم دمشق، الطبعة الخامسة عام ١٤١٥ هـ ١٩٩٤ م.
1 / 10
كل النساء المؤمنات اللاتي كن يتطلعن إلى سيرة عظيمة ترشدهن إلى الأسوة الفاضلة والقدوة المثالية.
وهل تجد المرأة المسلمة قدوة أعلى وأمثل وأفضل من قدوة أم المؤمنين عائشة الصديقة (ض) عبر التاريخ الإسلامي بأسره؟؟.
ظهر هذا الكتاب لكي ينفخ روحا جديدة في النساء المسلمات، فيجدن بغيتهن في سائر مجالات الحياة، ويقوم بإحياء تلك السنن الشريفة التي تناساها الناس على مر الأيام والعصور، ويذكر شقائق الرجال بتلك الدروس والعبر والسير التي ينبغي للمرأة المسلمة الاحتفاظ بها والعض عليها بالنواجذ. وفعلا كان هذا محاولة ناجحة، وخير اختيار من مؤلف قدير، كتب فأدى حق الكتابة، وأجاد وأفاد.
إلا أن هذه الدرة النادرة الثمينة والخدمة العلمية القيمة ظلت حبيسة اللغة الأردية، واقتصر نفعها على الناطقين بالأردية فحسب، وكانت الحاجة ماسة إلى نقل هذا التراث العلمي والكنز الثمين إلى لغات العالم كلها، وعلى رأسها اللغة العربية، لغة الكتاب والسنة، وذلك لكي يعم نفعه، ويشيع خيره في الجميع.
وبحمد الله وعونه وفضله علينا أننا اليوم نتشرف بنقل هذا السفر المبارك إلى اللغة العربية وخدمته الخدمة العلمية اللائقة، وبالتالي تقديمه إلى إخواننا العرب، علما أن فن الترجمة والتعريب من الفنون الصعبة التي قلما يتكلل فيه المترجم بالنجاح، إلا إذا كان عنده إلمام بروح الكتاب الذي يترجمه وبمقاصده، وإدراك بما له وما عليه، ودراية كاملة بالموضوع الذي يعالجه الكتاب.
وعلى هذا فهذه محاولة متواضعة وجهد علمي من طالب علم لا يملك الشيء الكثير من المران والممارسة في هذا الفن، إلا أنه قام به وشمر عن ساعد الجد متوكلا على الله الموفق والمعين، ومستجيبا لدعوة من لا ترد دعوته.
هذا وقد كان منهجي في ترجمة الكتاب وتحقيقه وتخريج أحاديثه حسب الخطة الآتية:
1 / 11
١ - الترجمة الحرفية لكل ما تناوله المؤلف (ح) دون زيادة أو نقصان، إلا إذا مست الحاجة إلى شيء من ذلك.
٢ - عزو الآيات القرآنية إلى السور وأرقام الآيات.
٣ - نقل نصوص الحديث الشريف حرفيا من المصادر الأصلية.
٤ - تخريج الأحاديث الواردة في الكتاب تخريجا علميا دقيقا بمراجعة الكتب الأصول في الحديث، والتزمت بذكر المصدر والكتاب الذي ورد فيه الحديث ورقم الحديث، وذلك إذا كان الحديث في الكتب التسعة أو أحدها، أما إذا كان الحديث في كتب السنن الأخرى والمسانيد والمعاجم والمجامع والمستدركات وغيرها فأعزوه إلى جزء الكتاب وصفحته وكذلك رقم الحديث، والباب الذي ورد فيه الحديث.
٥ - الحكم على الحديث بالصحة أو الضعف في بعض الأماكن حيث تبين لي ذلك من خلال أقوال المحدثين وفي ضوء آراء علماء الفن.
٦ - عدم الاقتصار على المصدر الذي أحال إليه المؤلف في الهامش أو استفاد منه، وإنما حاولت أن أراجع أغلب مظان الحديث، والمراجع المتوفرة.
٧ - هناك مراجع أحال إليها المؤلف بصدد رواية أو حديث، لكن تلك الرواية ضعيفة بسند ذلك المرجع، فأشرت إلى من رواه بسند صحيح وذكرته إن اقتضت الحاجة، ثم أتبعته بما ذكره المؤلف.
٨ - نقل الروايات التاريخية بنصوصها من مصادرها الأصلية، دون الاقتصار على مرجع واحد، إن وجد غيره.
٩ - ذكر نصوص الأحاديث التي لم يتناولها المؤلف في صلب الكتاب وإنما أشار إليها فقط للاستدلال على شيء معين أو إثبات حكم خاص.
١٠ - التعليق على بعض المواضع من الكتاب مما دعت الحاجة إليه لتوضيح رأي أو إبداء وجهة خاصة.
١١ - ذكر لمحة موجزة عن حياة المؤلف وآثاره العلمية ومآثره الخالدة، وكلمة عن كتاب «سيرة عائشة».
1 / 12
١٢ - عمل فهرس لموضرعات الكتاب.
١٣ - عمل فهرس للمصادر والمراجع التي استقيت منها في ترجمة وتحقيق هذا الكتاب.
وأخيرا أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يتقبل مني هذا الجهد العلمي المتواضع، ويجعله خالصا لوجهه الكريم وينفع به، وأصلي وأسلم على رسولنا وحبيبنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين، وعلى صحابته أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
الدوحة ٢٦/ ١ /١٤٢٣ هـ
كتبه
العبد الفقير إلى الله
محمد رحمة الله الندوي
1 / 13
لمحة موجزة عن حياة العلامة
سليمان الندوي ﵀
اسمه ونسبه:
هو العلامة الكبير، المفسر الشهير، الفقيه المحدث، المتكلم المؤرخ، الكاتب القدير، والنابغة في الإنشاء والأدب، سليمان بن أبي الحسن بن محمد شير المعروف بالحكيم محمدي بن عظمت علي بن وجيه الدين المعروف بالأميرجكن .....، ويصل نسبه إلى سيدنا علي بن أبي طالب (ض) (١).
وأمه هي السيدة قطب النساء بنت السيد حيدر حسين بن كاظم حسين بن خادم حسين ....، ويصل نسبها كذلك إلى الإمام علي بن أبي طالب (ض) (٢).
أسرته:
يتحدر السيد الندوي من أسرة حسينية النسب، مشهورة بالتقوى والعلم، وينتهي إلى بيت كريم من بيوت الأشراف كثير المآثر والمفاخر، معروف بالعلم والأدب والفضل والإحسان.
مولده:
ولد العلامة الندوي في قرية ديسنة من ولاية بيهار في الهند يوم الجمعة لسبع بقين من شهر صفر سنة اثنتين وثلاثمئة وألف من الهجرة، الموافق الثاني والعشرين من شهر تشرين الثاني نوفمبر سنة أربع وثمانين وثمانمئة وألف.
_________
(١) نسب سادات وملوك ديسنة ص ٢.
(٢) نفس المصدر.
1 / 15
نشأته:
نشأ (ح) في بيئة علمية وأدبية، وجو من الصلاح والتقوى، كان أخوه أبو حبيب أحد كبار العاملين في مجال إصلاح المجتمع والدعوة إلى التوحيد والسنة، فكان العلامة الندوي يقرأ كتاب «تقوية الإيمان» على أخيه، وهو يشرحه، فنشأ السيد الندوي على عقيدة صافية لا تشوبها بدع أو خرافات، يقول (ح): «كان هذا أول كتاب علمني طريق الحق تعليما ثبتت جذوره في قلبي» (١).
طلبه للعلم:
بدأ دراسته الابتدائية على علماء قريته، وقرأ على شقيقه الأكبر السيد أبي حبيب النقشبندي المتوفى عام ١٩٢٧ م اللغة الفارسية وآدابها واللغة العربية وقواعد النحو والصرف، كما قرأ أشياء على والده، ثم سافر في عام ١٨٩٨ م إلى قرية فلواري شريف بولاية بيهار، ومكث بها عاما، قرأ هناك على الشيخ محيي الدين المحبي الفلواروي، حيث نشأ فيه التذوق للأدب والشعر، وأخذ دروس المنطق من العلامة سليمان الفلواروي.
ثم رحل إلى المدرسة الإمدادية في دربنجه بولاية بيهار، قرأ هناك كتاب «الهداية» للمرغيناني في الفقه الحنفي على الشيخ مرتضى حسين الديوبندي، و«شرح التهذيب» في المنطق على الشيخ فدا حسين الآروي.
التحاقه بدار العلوم لندوة العلماء لكنو الهند:
رحل العلامة الندوي إلى لكنو، والتحق بدار العلوم لندوة العلماء في عام ١٩٠١ م وبقي هناك خمس سنوات، حتى نال الشهادة سنة ١٩٠٧ م، وكان من أهم مشايخه في ندوة العلماء:
١ - المفتي الكبير العلامة الشهير الشيخ الفاضل عبد اللطيف بن إسحاق الحنفي السنبهلي، المتوفى عام ١٣٧٩ هـ، وقد قرأ عليه الشيخ الندوي كتب الفقه.
_________
(١) الكتب التي لها منة على العلماء الأعلام، ص ١٥.
1 / 16
٢ - الشيخ العالم الكبير المحدث حفيظ الله البندري، المتوفى عام ١٣٦٢ هـ، وقد أخد السيد الندوي عنه الحديث الشريف، وشيئا في علم الهيئة.
٣ - الشيخ العلامة محمد فاروق بن علي أكبر العباسي الجرياكوتي المتوفى عام ١٣٢٧ هـ وقد أخذ عنه السيد الندوي المنطق والفلسفة والأدب العربي.
٤ - العالم الصالح الشيخ الفاضل شبلي بن محمد علي الجيراجفوري، المتوفى سنة ١٣٦٤ هـ.
٥ - العلامة الكبير مؤرخ الهند الشهير المحدث الطبيب السيد عبد الحي بن فخر الدين الحسني المتوفى عام ١٣٤١ هـ، وقد قرأ عليه الشيخ الندوي مقامات الحريري.
٦ - العلامة الجليل المؤرخ العظيم شبلي النعماني المتوفى سنة ١٣٣٢ هـ، وأخذ عنه السيد الندوي الأدب العربي، وقرأ عليه دلائل الإعجاز، كما أخذ عنه علم الكلام، وتدرب عليه في الكتابة والتأليف والإنشاء والعناية بالسيرة النبوية.
أهم العلماء الذين أثروا في تكوينه العلمي والفكري:
يدين السيد الندوي (ح) في تكوينه العلمي والفكري ودراساته الواسعة المتعمقة لعديد من الأئمة الأعلام الذين عرفوا بفكرهم الإسلامي الأصيل، ومذهبهم الفقهي الوسط وتبحرهم في علوم الكتاب والسنة والرجوع إليهما الرجوع المباشر، وكان من أبرزهم تأثيرا في عقل السيد الندوي وفكره ومنهجه في البحث والتحقيق ومذهبه في العقيدة والفقه:
١ - الإمام مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر الإمام الحافظ فقيه الأمة أبو عبد الله الأصبحي المدني، إمام دار الهجرة (٩٣ - ١٧٩ هـ)، وقد كانت للسيد الندوي محبة خاصة بإمام دار الهجرة، وكان يفضل موطأه على الصحيحين، وقد حصلت له رواية الموطأ عن طريق يحيى بن يحيى الليثي
مسلسلا بالمالكية.
1 / 17
٢ - الإمام تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية الحراني شيخ الإسلام، العلامة المحدث الفقيه المجتهد نادرة عصره (٦٦١ - ٧٢٨).
٣ - الإمام المحقق الأصولي الحافظ الفقيه صاحب الذهن الوقاد والقلم السيال شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب الزرعي الدمشقي المشهور بابن قيم الجوزية (٦٩١ - ٧٥١ هـ).
وقد نشأ السيد الندوي على الإعجاب بهذين العبقريين، واضطلع بدراسة كتبهما، وأخذ منهما كثيرا من آرائهما في كتابه «سيرة النبي ﷺ» وغيره من المؤلفات.
٤ - الإمام المحدث الفقيه الرحالة كوكب الديار الهندية شيخ الإسلام العالم المجتهد أحمد بن عبد الرحيم المعروف بولي الله الدهلوي (١١١٤ - ١١٧٦ هـ).
٥ - العلامة شبلي النعماني المتوفى ١٣٣٢ هـ.
مكانته العلمية:
أولا - القرآن الكريم:
كان العلامة الندوي دائم التدبر لكتاب الله تعالى إيمانا منه بأن ثمرة التلاوة التدبر والتذكر، وكان له اهتمام كبير باستنباط المسائل العقدية والفقهية والخلقية والسياسية، من آي القرآن الكريم، وشرح لطائفه الأدبية، وتحقيق مباحثه التاريخية، ويشهد على ذوقه هذا كتاب «أرض القرآن»، والمجلدات الضخمة لكتاب «سيرة النبي ﷺ» وخاصة المجلد الرابع والخامس منه، اللذين يعالجان منصب النبوة والعقائد والعبادات والأخلاق، من زاوية جديدة، ودراسة مقارنة، وسبب ذلك أن دراسته للغة العربية وآدابها، والبلاغة والمعاني وإعجاز القرآن كانت واسعة عميقة.
وإن الآيات القرآنية الشريفة التي استشهد بها في بحوثه ودراساته
1 / 18
الإسلامية إنما جاء بها مراعيا لموافقة مضمونها المناسة والمحل، طبق الأصل لما استعمله العرب قديما، وموافقة معاني كلماتها لما يستعمله العرب، وكان قد بذل جهدا لا يستهان به في معرفة مواضع استعمال الكلمات الواردة في القرآن الكريم، في العهد الذي نزل فيه، وفهمها وفق هذه الموضوعات المحددة.
هذا وقد كانت له دروس منتظمة في التفسير في دار المصنفين، كما كانت لديه خطة لتدوين المسائل القرآنية، وترتيبها وفق الأسلوب العصري، وكان يرغب في دراسة الآيات القرآنية والنظر فيها مع تطبيق المبادئ والتدين وسلامة العقل والفكر، وأن تفرد الآيات القرآنية المتعلقة بالقضايا والشؤون العقائدية والفقهية والاقتصادية.
ثانيا - الحديث الشريف:
كان كثير الاشتغال بكتب الحديث والسنن والآثار، ومن حبه لها أنه كان دائم الحرص على اقتنائها في دار المصنفين، حتى أصبحت خزانة دار المصنفين حافلة بكتب الحديث ورجاله.
وقد ظهر امتياز العلامة الندوي في شرح أحاديث الرسول ﷺ كذلك، فقد كان معنيا بأن يكون فهم الحديث الشريف في إطار العمل النبوي الشريف المشتمل على إدراك الجو الذي جاء فيه، ليكون تطبيقه على الحياة أوفق وأجدر.
وقد تصدى العلامة الندوي لمنكري السنة وفند شبهاتهم في مقالات، ومنها رسالته المشهورة «تحقيق معنى السنة وبيان الحاجة إليها».
كان (ح) متبعا لمذهب السلف في أن المصدر الأساسي للشريعة الإسلامية هو الكتاب والسنة، وأن رأي الناس يرد عليهم إذا عارض نصا من القرآن) أو الحديث، فلم يسلك مسلك التأويل للنصوص، بل كان منهجه هو اتباع الدليل أنى وجد، وحيثما صار.
1 / 19
ثالثا - الفقه:
كانت للسيد الندوي بصيرة فقهية تامة، وقد توفرت له وسائل تحقيق المذاهب والاجتهاد، لما آتاه الله من الملكة في معرفة اللغة العربية وآدابها، والعلم الواسع الدقيق بالقرآن الكريم وعلومه، والحديث النبوي الشريف، والناسخ والمنسوخ، والإلمام القوي الكامل بمصادر الفقه وأصوله وقواعده، ومذاهب الأئمة وآراء الفقهاء، ولذلك نرى أنه نشأ على مذهب أبي حنيفة (ح)، ولكن ظل ملازما لما اختط لنفسه من التحرر الفكري في الفقه من ربقة التمذب والتقليد والتعصب لقول عالم بعينه.
إنه (ح) لم ينطلق في فقهه من رأي محض أو هوى متبع أو تقليد أعمى وإنما انطلق من حجج وبراهين يعتمد عليها، وأصول يستند إليها، وأهمها الاعتصام بالكتاب والسنة، كما أنه (ح) يرى أن باب الاجتهاد مفتوح إلى قيام الساعة لمن تأهل له، يقول في مقدمة كتاب «تراجم علماء أهل الحديث»: «إني ملتزم للسنة ومتبع للتوحيد الخالص، أرى السنة دليلي، وباب الاجتهاد مفتوحا دائما للعلماء، ولا أرى الحق منحصرا في أحد من أئمة السلف».
ويقول في إحدى خطبه: «من مفاسد هذا العصر الجمود المشين على آراء الفقهاء المتآخرين وفتاواهم، كأنهم معصومون عن الخطأ والمزلات، وعدم الرجوع إلى المرجعين الأصيلين القرآن والسنة، واجتهادات أئمة السلف في البحث عن الحلول للمشاكل المدنية والقضايا الدينية، والقول بإغلاق باب الاجتهاد للأبد». وكان (ح) يرى أن الحاجة ماسة إلى تدوين جديد للفقه الإسلامي، نظرا إلى تطور الأوضاع وتجدد القضايا والمستجدات.
رابعا - التاريخ:
يقول الشيخ أبو الحسن علي الندوي (ح): «إن السيد سليمان الندوي يستحق بدون مراء أن يعد أكبر مؤرخ وباحث في عصره، وإن كتبه «خيام» و«الصلات بن الهند والعرب» و«الملاحة عند العرب» و«حياة الإمام مالك» و(سيرة عائشة» خير نموذج للكتابة في التاريخ، والبحث العلمي، وكتابه
1 / 20
«أرض القرآن» لا يزال كتابا فريدا لم ينسج على منواله في موضوعه، وهو ثروة، غية في المواد العلمية» (١).
كان (ح) مرجعا لأساتذة التاريخ والمهتمين به في الهند، يزورونه ويراسلونه ويرجعون إلى آرائه وتحقيقاته، وكان يولي عناية تامة للصدق والأمانة التاريخية، فقلما تراه يتبع الأسلوب الشعري في مؤلفاته، وكان يحذر من إثارة مشاعر القارئ واللعب بعواطفه، مثلما كان يبذل من الجهد في البحث والتحقيق والنقد.
كما كان له اهتمام كبير بإخراج مصادر كتب التاريخ والتراجم إلى الناس، والواقع أن كل كتابة من كتابات السيد الندوي تحمل بحوثا وتحقيقات تاريخية نادرة وقيمة، اعترف بها العلماء والمتخضصون في علم التاريخ، وسلموا بإمامته وتقدمه في هذا الشأن.
خامسا - الفلسفة وعلم الكلام:
كان (ح) ضليعا بالفلسفة وعلم الكلام، وخير دليل على ذلك كتاب «سيرة النبي»، يقول العلامة أبو الحسن علي الندوي: «وكان من منجزاته أيضا أنه حقق بالسيرة والتاريخ أهدافا لا تحقق إلا بعلم الكلام، فأسس علم كلام جديد يفوق علم الكلام القديم في التأثير على الذهن الجديد وإقناعه، وفي توثيق الثقة بالشخصية النبوية والشريعة الإسلامية، وهو أكثر سدادا للحياة العلمية المعاصرة» (٢).
سادسا - اللغة والأدب:
كان (ح) متضلعا باللغات الأردية والعربية والفارسية، وتعلم اللغة الإنكليزية لكي يتسنى له الاستفادة من المصادر الأجنبية، وكذلك تعلم اللغة العبرية وشيئا من اللغة التركية والفرنسية.
_________
(١) شخصيات وكتب، للعلامة السيد أبي الحسن علي الندوي، ص ٧١ - ٧٠.
(٢) شخصيات وكتب، للعلامة أبي الحسن الندوي، ص ٦٩.
1 / 21
يقول الأستاذ عبد الماجد الدريابادي: «يعتقد الناس أن السيد الندوي عالم فريد، وبحاثة منقطع النظير، ويخضع العالم لإمامته في التاريخ، وتفرده في كتابة السيرة، ولكن قلما عرف الناس مكانته في الأدب والشعر والنقد، قلما علمه الناس كأديب منشئ وشاعر قدير» (١) وها هو العلامة الندوي يحكي لنا قصة نشوء صلته باللغة العربية بقوله: «تعلمت الأدب العربي على العلامة فاروق الجرياكوتي، والعلامة السيد عبد الحي الحسني، وكانا متبعين لأساليب المتأخرين، وكان من فضل العلامة شبلي أن قرأت عليه «دلائل الإعجاز» للجرجاني، فاطلعت على الكتابات الأدبية للمتقدمين، وقرأته بكل رغبة وشوق، وقلدته، واتجهت إلى الكتابة والخطابة بالعربية، وألهب كتابا «ديوان الحماسة» و«نقد الشعر» هذا الذوق عندي، وبدأت أقرض الشعر» (٢).
كان السيد الندوي مقدسا لدور اللغة العربية في توحيد المسلمين، يقول بمناسبة افتتاح مجلة الضياء: «وبعد فللإسلام مزايا تفوت الإحصاء دررها، وتستغني عن الإنباء غررها، إحداها أنه دين وحدة الشعوب والأمم، ودين مواخاة البشر، والنصيحة لعامة المسلمين، ومن الوسائل التي اتخذها لتحقيق بغيته هذه، أن جعل للمؤمنين بقرآنه والخاضعين لسلطانه، على اختلاف ألسنتهم وبلدانهم، وجنسياتهم وألوانهم لغة خاصة، وهي لغة كتابه المنزال من السماء، يتفاهمون بها معاني القلوب، ويتعارفون هواجس الأفكار، ويخطب بعضهم بها مودة بعض، فهي على تقلب من الأحوال لغة عصبة الأمم الإسلامية، منذ قرون وأجيال» (٣).
هذا وللسيد الندوي (ح) شعر رائع في اللغة العربية، وقد نظم الشعر في موضوعات مختلفة، ويدل هذا الشعر على إرهاف حسه وحسن خياله، وحبه للفضائل والحكمة، وقد تجلت في شعره القوة والإجادة والتعبير الطبيعي
_________
(١) مجلة «المعارف» العدد الخاص بالسيد سليمان الندوي، ص ٢٣٠.
(٢) الكتب التي لها منة على العلماء، ص ١٨.
(٣) مجلة الضياء عدد المحرم سنة ١٣٥١ هـ، ص ٤ - ٣.
1 / 22
الجميل، مع أن نظم الشعر العربي بأسلوب يتصف بالتعبير الطبيعي الجميل قلما يتأتى لرجل لم ينشأ في جو عربي، ولم يطل أو يتكرر اختلاطه برجال اللغة الأقحاح» (١).
ومن شعره الرقيق الرائع وهو يصف الشمس عند غروبها:
كأنما الشفق الممتد في الأفق ... خمر معتقة شجت لمغتبق
خمر يعتقها في أعلى همالية ... شجت بماء غمام هامر غدق
كف الطبيعة تسقي الناس أكؤسها ... ويل لمن هذه الصهباء لم يذق (٢)
أهم مؤلفاته:
لقد أنتج قلم العلامة الندوي السيال كتابات ومؤلفات قيمة نافعة تتسم بأقصى درجة من البحث والتحقيق والنظر والتدقيق، وتنوء بالعصبة من العلماء والباحثين، وكما قال الشيخ أبو الحسن علي الندوي: «وبالنظر إلى هذه المؤلفات القيمة يمكن أن يصدر الحكم بأن شخصا واحدا في بعض الظروف ينجز من أعمال علمية هائلة ما لا تستطيع الأكاديميات الكبيرة إنجازها» (٣) وفيما يأتي نسرد بعض أهم مؤلفات العلامة الندوي:
١ - «أرض القرآن» هذا الكتاب بمثابة مقدمة لكتاب «سيرة النبي» وهو في جزئين، وقد طبع في دار المصنفين، وهو كتاب فريد من نوعه، من أهم مزاياه دراسته لأوضاع العرب السياسية والتاريخية والحضارية في ضوء القرآن الكريم، مع الاستفادة من المصادر العبرية والإنكليزية، والمراجع الإسلامية والرومية واليونانية والاكتشافات الأثرية» (٤).
٢ - حواشيه على المصحف الشريف: «وهذه الحواشي تتعلق بذكر أعمدة السور وموضوعاتها الأساسية وربط الآيات بعضها ببعض». ويشتغل
_________
(١) ملحق الرائد للأدب الإسلامي، ص ٣٣ - ٣٢.
(٢) مجلة الضياء عدد صفر ١٣٥١ هـ، ص ٣٠.
(٣) شخصيات وكتب للشيخ أبي الحسن علي الندوي، ص ٧١.
(٤) تاريخ ندوة العلماء ٢/ ٢٨٤.
1 / 23