বিলা কুয়ুদ
بلا قيود: تقنيات حررت البشر ودفعتهم لحافة الهاوية
জনগুলি
حين اقترن اختراع البارود والأسلحة النارية الصينية بالتطورات الأوروبية في مجال الآلات الدقيقة، انبثق السلاح الناري ليكون أكثر الأسلحة فتكا في تاريخ البشر؛ فبندقية إم-16 القياسية التي يستخدمها الجيش الأمريكي تستطيع إطلاق عشر طلقات من الذخيرة في الثانية بمرمى فعال يصل إلى مساحة ستة ملاعب كرة قدم مصفوفة جنبا إلى جنب. ويستطيع مدفع رشاش الجيش الأمريكي إم-61 أن يطلق مائة طلقة من الذخيرة في الثانية، ويمكن لمدفع الهاوتزر الحديث أن يطلق قذيفة متفجرة يصل قطرها إلى ست بوصات ويحطم هدفا على بعد ثمانية عشر ميلا. وليست هذه سوى ثلاثة من عشرات آلاف الأسلحة النارية المختلفة التي تصنع وتستخدم في الزمن الحاضر، من مسدسات بالغة الصغر يقل طولها عن أربع بوصات إلى مدافع بحرية يتجاوز طولها ستين قدما، ويصل مرماها إلى اثنين وعشرين ميلا، وتستطيع إطلاق قذيفة متفجرة يصل قطرها إلى ست عشرة بوصة، وتزن أكثر من ألفي رطل.
ظل أشباه البشر الأوائل والبشر الناشئون والإنسان الحديث ملايين السنين يواجهون كلهم مشكلة الدفاع عن أنفسهم ونسلهم أمام تهديد الضواري الكبيرة التي كانت تأهل عالمهم وبيئاتهم الطبيعية. وقد تكون الأسلحة الفتاكة التي تعلم بشر ما قبل التاريخ صناعتها مكنتهم من قتل فرائسهم وأعدائهم الطبيعيين وإلحاق الإصابات بهم، لكن تسلح شعوب ما قبل عصر الصناعة بالرماح والرماح الخفيفة والحراب والسهام القديمة فحسب لم يكن يضمن لهم الصمود في مواجهة مع الأسود والببور والدببة والذئاب والأبقار والأفيال ووحيد القرن والفظ والخيول البرية، وغيرها من الحيوانات الخطيرة التي كانوا يقابلونها أثناء الصيد أو الانتقال بمخيماتهم من مكان إلى آخر؛ لذا فقد هلك قبل اختراع الأسلحة النارية عدد لا حصر له من الصيادين وجامعي الثمار والمزارعين والرعاة جراء هجمات من وحوش مذعورة أو هائجة أو مصابة.
غير أن تطور الأسلحة النارية الدقيقة غير كل هذا؛ فلأول مرة في تاريخ البشر تسنى للصائد المعاصر التسلح بسلاح فتاك يمكنه من إحداث إصابات بحيوانات أخرى وقتلها من مسافة بعيدة. فاعلية الأسلحة النارية الحديثة - مع الانخفاض الحاد في حجم المساحات البرية والانتقال المستمر للمجتمعات البشرية من الريف إلى المدن - قضت نهائيا على التهديد المتربص بحياة البشر الذي كان مصدره وجود الحيوانات البرية في بيئتنا. أما في العالم الحديث، فما يهدد حياة البشر وسلامتهم يكاد يأتي فقط من بشر آخرين.
جميع الأشياء تعمل بالكهرباء
في عام 1820م كان عالم الفيزياء الدنماركي هانز كريستيان أورستد يلقي محاضرة حين لاحظ أن إبرة البوصلة تحركت حين سرى التيار الكهربائي في إحدى البطاريات وتوقف. هكذا كان أورستد أول شخص ينشر اكتشاف نشأة مجال مغناطيسي عند تدفق التيار الكهربائي في سلك. ورغم إجراء علماء آخرين تجارب على اكتشاف أورستد العلاقة بين الكهرباء والمغناطيسية، لم يثبت أحد منهم أن اكتشاف أورستد يعمل بالعكس حتى جاء مايكل فاراداي، ابن أحد الحدادين الإنجليز، في ثلاثينيات القرن التاسع عشر الذي أثبت أن المجال مغناطيسي حين يتحرك عبر موصل كهربائي كالسلك مثلا، ينتج عنه تيار كهربائي. وقد أتاحت هذه الظاهرة المسماة بالحث الكهرومغناطيسي لفاراداي ابتكار نماذج عملية من الجهازين الأساسيين في العصر الكهربائي: المولد الكهربائي والمحرك الكهربائي.
قبل العمل الرائد لفاراداي كان المصدر الوحيد المضمون للكهرباء هو أشكالا بدائية من البطارية السائلة، وهي مكونات كبيرة وثقيلة وقابلة للكسر مليئة بكميات خطيرة من حمض الكبريتيك، لكنه من المهم أيضا أن نتذكر أن فاراداي ما كان ليتمكن من صنع المحرك الكهربائي أو المولد الكهربائي لولا تقنيات الآلات الدقيقة؛ فقد أتاحت هذه التقنيات إمكانية تكوين آليات ذات محامل سلسة ومتينة مكنت دواراتها من الدوران بسرعات هائلة وأدنى حد من الاهتزاز، وهو ما كان ضروريا لتعمل المحركات والمولدات بشكل سليم.
بمجرد رسوخ مبادئ الحث الكهرومغناطيسي وتصميم المولدات الكهربائية وتصنيعها بنجاح، صار ممكنا استخدام أي مصدر طاقة دوارة في توليد تيار كهربائي مستمر. وشيدت أول محطة طاقة عامة في جنوب إنجلترا سنة 1881م، تزودها ساقية ماء بالطاقة. ومع نهاية القرن التاسع عشر كانت المولدات الكهربائية التي تعمل بطاقة البخار والماء تبنى في أنحاء أوروبا وأمريكا الشمالية، ومع أوائل القرن العشرين بدأت الكهرباء تنتشر مثل النار في الهشيم في أرجاء العالم المعمور.
سرعان ما أدت الطاقة الكهربائية الميسورة التكاليف إلى ظهور طائفة من التقنيات الجديدة التي غيرت وجه الحياة البشرية تماما؛ فالمصاعد الكهربائية - الأقوى والأكفأ كثيرا من المصاعد السابقة الهيدروليكية والتي تعمل بالبخار - أتاحت إقامة مبان عالية، وهكذا نشأت ناطحات السحاب. ولأول مرة في تاريخ البشر أتاح التلغراف - ولاحقا الهاتف - للناس التواصل في الحال عبر آلاف الأميال. وحملت قطارات الأنفاق ملايين الناس للعمل يوميا من خلال أنفاق تحت الأرض، وانطلقت حافلات الترام في شوارع المدن الرئيسية في العالم.
وحولت الإضاءة الكهربائية الليل من عالم معتم تضاء فيه المصابيح والشموع المرتعشة إلى عالم اللمبات الكهربائية التي أضاءت الليل على نحو غير مسبوق على الإطلاق؛ لتحرر البشرية من اعتمادها القديم على شروق الشمس وغروبها. وأحدث التبريد تحولا تاما في صناعة الغذاء؛ إذ أتاح نقل اللحوم والدواجن والأسماك آلاف الأميال وتجميدها لأسابيع وشهور دون أن تتعفن. وغير تكييف الهواء حياة كل من يعيشون في المناطق ذات المناخ الحار؛ لتعطيهم حرية العمل واللهو في برودة منعشة. وأذن دخول الإذاعة والسينما والتلفاز - التي لم يكن أي منها ليتأتى لولا الكهرباء - ببداية عصر وسائل الإعلام.
في الوقت ذاته بلغت أدوات العالم الصناعي المميكنة أوجها؛ إذ تحررت من السيور والبكرات وأعمدة التدوير الضخمة الخطيرة التي ظلت تستخدم طويلا في نقل الطاقة من المحركات البخارية إلى خطوط تجميع المصانع، غير أنه حتى عام 1900م كان المحرك البخاري ما زال يوفر أكثر من 80 في المائة من الطاقة المستخدمة في التصنيع، بينما كانت المحركات الكهربائية توفر أقل من 10 في المائة، لكن بعد أربعين عاما انعكست هاتان النسبتان تماما؛
অজানা পৃষ্ঠা