وشعرت بخوف لم تدر كنهه، لعل ذكر أبيه الذي هيجه، وتوقعت خبرا غير سار، فرمقته بعين متسائلة دون أن تنبس، فقال بصوته الهامس: ثار غضبه لعنادي وحرمني أجرة يومي!
وحلت الدهشة محل الخوف وسألته : أليس معك نقود؟ - كلا، أبي رجل جبار، ربنا يأخذه.
فقالت لنفسها «آمين» ثم تمتمت: معي بعض النقود.
فسكت لحظات في قلق ثم سألها في خجل: هل تدفعين ثمن التذكرتين أمام الجالسين؟
وفطنت إلى ما يريد، فرقت له، وفتحت حقيبتها وتناولت شلنا وأعطته إياه، فأخذه وهو يلحظ الواقفين بحذر ثم قال: شكرا لك، سأرده إليك في اللقاء الآتي.
ثم قال مستطردا بعد تردد: أو خذي إذا شئت به حلاوة أو جبنا.
فتساءلت مدفوعة بغريزة الحرص: ألا تخاف أن يلاحظ أبوك أنني لا أدفع ثمن ما آخذه؟
فضحك قائلا: إنه لا يرى أبعد من موضع قدميه.
وجاء ترام روض الفرج فصعدا إليه وجلسا متجاورين «كيف أبذر نقودي على هذا النحو؟ البيت في شديد الحاجة إلى كل مليم مما أجني من عملي الطويل. أمي لا تفتأ تبيع قطع الأثاث، حتى أخي حسن أحق بهذا الشلن من هذا المفلس. ماذا أفعل بنفسي؟ إني أبعثر نقودا أخرى لابتياع البودرة والأحمر، أواه! إنه ليس رجلا، لو كان رجلا لما تعلق بأبيه هذا التعلق المضحك، ولما خافه هذا الخوف، حرمه الرجل يوميته كما يحرم الطفل مصروفه. بيد أني أحبه وأريده، إني له نفسا وجسدا، ليس لي سواه! من أين لي هذه النفس التي تسيمني هذا كله؟!» وسمعته يهمس في أذنيها: من المؤسف حقا أن أمي عادت من بلدة أختي فلم يعد البيت خاليا.
ليست بحاجة إلى من يذكرها بهذا، فهي تعلمه حق العلم، بيد أنها سرت في أعماقها بفتحه هذا الباب، ودبت في جسمها يقظة، فنشط خيالها وتذكرت الظلمة الشاملة والأصوات الهامسة، تذكرت هذا في حرارة مشوبة بخوف، ولم تشأ أن تعلق على قوله فتجاهلته عن حياء، وتورد وجهها الذي جعله الزواق مثيرا للنظر؛ أمي عادت، وأبي لا يرضى! متى ينتهي هذا كله؟! متى تملكه بلا خوف، وبشرع الله؟ آه ثم آه، لشد ما يركبها الخوف أحيانا فتود الموت نفسه والراحة من الحياة جميعا. وعاد صوته الهامس يقول: ولكني سأخلق الفرص بنفسي، لا بد أن تعاد الفرصة ، وأن يخلو البيت.
অজানা পৃষ্ঠা