فهتفت بانزعاج: يموت؟! هبنا متنا قبله!
فضحك ضحكة جافة في ارتباك وقال: دعي هذا لي وللزمن، لم تضق بنا الحيل بعد!
كلام عائم لا يروي غلة؛ «لا أستطيع أن أقول له أني أخاف أن يتقدم لي أحد في أثناء الانتظار لطلب يدي. هذه حجة وجيهة في يد غيري ممن يحظين بقسط من الجمال أو المال. أما أنا فمن عسى أن يتقدم لي في هذه الأيام التي لا يتزوج فيها أحد! رضيت بالهم، ولكن الهم لا يرضى بي، ابن بقال! إن البدلة تبدو على جسمه قلقة نابية.» وشعرت بيد القهر تقبض على عنقها. وزادها الخوف تعلقا به فلو وزن في هذه اللحظة بالدنيا كلها لرجح بها في قلبها. إنها لا تدري على وجه الوضوح كيف يمكن أن تتزوج منه حتى ولو ذلل ما يعترضه من عقبات، فإن أمها لا تستطيع أن تقدم لها شيئا، فضلا عن أن الأسرة باتت لا تستغني عن القروش التي تربحها لها، ولكنها تريده، تريده من الأعماق، وبأي ثمن. وتجهم وجهها، وفتحت فاها لتتكلم، ولكن لاحت منها التفاتة إلى شبح قادم فجمد الدم في عروقها. وشهقت شهقة فزعة وكادت تطلق ساقيها هاربة لولا أن مر القادم تحت المصباح فتنور وجهه وتنهدت تنهد الأمان بعد الرعب، وعجب سلمان لشأنها فسألها: ما لك؟
فقالت وهي تلهث: حسبته أخي حسن!
وانتهز الشاب الفرصة ليفصح عن رغبة طال احتضانه لها، فقال: لن نأمن الخوف ما دمنا نخبط على وجوهنا في هذه الطرق. أصغي إلي، لماذا لا نذهب إلى بيتنا فنمكث فيه قليلا بعيدا عن الأنظار؟
فصاحت به في دهشة: بيتك؟! - نعم. أبي يقضي مساء الجمعة حتى منتصف الليل عند شيخ الطريقة الشاذلية، وأمي في الزقازيق عند أختي التي جاءها المخاض اليوم، وليس في البيت أحد!
فقالت في ذهول وقلبها يدق بعنف: كيف أذهب معك إلى بيتك؟ أجننت يا هذا؟!
فقال بضراعة حارة: إني ألتمس مكانا آمنا، بيتي آمن ودعوتي بريئة، أريد أن أخلو إليك في أمان؛ فنعالج همومنا في روية بعيدا عن المخاوف والعيون ...
كان يتكلم وكانت تصغي مقطبة، وكانت تتخيل على رغمها البيت الخالي في قلق وخوف، وحاولت أن تطمس خياله بالتمادي في الغضب، ولكنه ظل قائما في رأسها، وقالت في حدة: ليس في بيتك ...
فقال الشاب باستعطاف وهو يشد على راحتها: لم لا؟! ظننتك ترحبين بدعوتي، أليس لك ثقة في؟ أليس لك ثقة في نفسك؟ أريد أن نخلو لذاتنا، وأن نتحدث، وأن أطلعك على مدى حبي وآمالي وخططي. ليس فيما أدعوك إليه من عيب ولن يدري بنا أحد.
অজানা পৃষ্ঠা