9
شعرا بحرج وهما يدخلان فناء المدرسة لأول مرة بعد الوفاة. لن يستطيعا مواصلة الحياة الأولى، وسيتغير كل شيء، وهيهات أن تخفى خافية على أعين التلاميذ. وكانا يعانيان من هذا شعورا مؤلما وإن تباينت درجة ألمهما. ولم يكن قد علم بالوفاة إلا قليل فسرعان ما ذاع الخبر بين الأصدقاء، وأقبلوا عليهما معزين. وقال أحدهم محذرا: يجمل بذويكما أن يحسنا اختيار الوصي عليكما؛ فإنني لم أدرك حقيقة الفاجعة بموت أبي حتى ابتليت بوصاية عمي!
الوصي! وتظاهر حسين بالإصغاء إلى نفر يتحدثون عن المظاهرات الأخيرة، والمساعي المبذولة لضم الصفوف، ولكنه سمع حسنين وهو يجيب صاحبه قائلا: نحن مطمئنون إلى الوصي كل الاطمئنان.
فقال محدثه: إني أغبطكما على حظكما، بيد أن الأمر يتوقف على نوع التركة، فإذا كانت أراض زراعية تيسرت سبل الخداع، وإذا كانت عقارا ضاقت السبل على الوصي بعض الشيء، أو هذا ما تقول أمي.
فقال حسنين بهدوء: من حسن الحظ أن تركتنا عقار!
وأصغى إليه حسين في غيظ. لم يحنقه الكذب فحسب ولكنه أشفق من عواقبه. «كيف نواجه الحال الجديدة إذا ظن بنا الإخوان اليسار؟ ماذا نفعل وماذا نقول؟ إنه يكذب بلا مبالاة. سحقا له!» وصوب عينيه نحو أخيه محذرا، فتحاشاه الفتى في تذمر. ثم تساءل تلميذ كيف مات والدهما، فأجاب حسنين في تأثر قائلا: قيل لنا إنه مات فجأة. ومن عجب أنه لما رآني خارجا إلى المدرسة صباح اليوم الذي توفي فيه، وقبل أن يتوفى بساعة واحدة، وضع يده على منكبي ورنا إلي في حنان، وقال لي بلا داع ظاهر «مع السلامة .. مع السلامة!»
فمن كان يدريني أنه يودعني؟!
لم يكن شيء من هذا قد حصل، ولا يدري كيف قاله، والأعجب من هذا كله أنه قاله بتأثر صادق كما لو كان وقع حقا. وقد نطق به ارتجالا مدفوعا برغبة غامضة في تبجيل والده. وعجب حسين لوصفه ثم دهش لتأثره، فكاد يغلبه الابتسام، ونحى وجهه جانبا فرأى عن بعد قريب رئيس فرقة كرة القدم، فأراد أن ينفس عن ضيقه بمواجهة الحقائق، فمضى إليه وحياه ثم قال: أرجو أن تعفيني وأخي من الاشتراك في نادي شبرا.
ولاحت الدهشة في وجه الرئيس، وأزعجه الطلب، خاصة فيما يتعلق بحسنين - جناح الفريق الأيمن - فقال معترضا: لعل أمرا ضايقكما!
فقال حسين بتأثر: توفي والدنا!
অজানা পৃষ্ঠা