فقال الشاب بإنكار: لم أكن ضابطا، أما الآن فقد أصبحت سمعتي مهددة!
وتجهم وجه الأم ولاذت بالصمت في كرب شديد، فتنهد حسنين قائلا: ينبغي أن يتغير كل شيء، حتى قبر والدنا المكشوف بين قبور الصدقة. تصوري ماذا يظن بنا زملائي لو علموا بمكانه!
ودارت الأم مشاعرها بابتسامة وقالت برجاء: إني أحب لنا ما تحب، ولكني أوصيك بالصبر، وأحذرك عواقب ثورة لن تجدي الآن إلا الحزن! تريد أن تمحو الماضي، وتغير البيت وتنشئ مقبرة وتبدل أخاك من حال إلى حال، ولكن هيهات أن يتم لك ما تريد قبل زمن طويل، فكيف يكون العمل؟ طالما تمنيت أن تسعدنا وأن تسعد معنا، فإذا لم تروض نفسك على التسليم بالواقع وتأخذها بالصبر شقيت وشقينا!
وضاق بالكلام ضيقه بمتاعبه فأمسك عنه. ولم يقع قولها من نفسه الثائرة موقع الاقتناع أو القبول، فخيل إليه أنها لا تشاركه آماله وعواطفه، وأنه وحيد في معركة الحياة أو الموت! إن نفسه تهفو لحياة أفضل وأنظف، ولن يحيد عن هدفه، وليدافعن عن سعادته وآماله بكل ما أوتي من قوة ورغبة في الحياة، ودق الباب عند ذاك، وكان المساء يمد رواقه، فحدس أنها نفيسة عائدة من عملها، فهرع إلى الباب في تصميم جديد.
69
ودخلت الفتاة مبتسمة، وكانت لا ترى تلك الأيام إلا مبتسمة مستبشرة. واستبانت في وجه أمها سهوما فاقتربت منها وقالت مداعبة: تخلي يا أماه عن هذا الجد الذي لا داعي له؛ فقد انتهت متاعبنا.
وردد حسنين قولها في نفسه محزونا، هل حقا انتهت متاعبهم؟ إن ميزانية الجيش كلها لا تكفي لإنهاء متاعبهم! ثم رفع بصره إليها، وقال بلهجة ذات معنى: آن لك أن تستريحي.
فتساءلت ضاحكة: أتعني أن أترك مهنتي؟ - نعم. - أتركها غير آسفة، وسألزم بيتي كالهوانم، ألست شقيقة ضابط؟!
ولم يتمالك أن قال ساخرا: وشقيقة سي حسن أيضا!
فرددت عينيها بينه وبين أمها في دهشة وتساءلت عما جعله يقحم أخاه بهذه اللهجة المرة، أما هو فسألها متهكما : ألا يسرك هذا؟!
অজানা পৃষ্ঠা