বার্ট্রান্ড রাসেল: খুবই সংক্ষিপ্ত ভূমিকা
برتراند راسل: مقدمة قصيرة جدا
জনগুলি
وليس من قبيل المفاجأة أن تكون وجهات نظر فيتجنشتاين مستمدة من راسل على هذا النحو؛ إذ كان راسل فعليا هو معلم الفلسفة الوحيد الذي تعلم منه فيتجنشتاين، كما كانت أعمال راسل - باستثناءات مميزة قليلة - هي قراءاته الفلسفية الأساسية. وقد كتب صديقه ديفيد بينسنت في مذكراته: «من الواضح أن فيتجنشتاين من مريدي راسل ويدين له بالكثير.» إذن من الواضح أن كتاب فيتجنشتاين «رسالة منطقية فلسفية» كان من بين النتائج الفلسفية الأولى التي نشأت من أعمال راسل. ومن الممكن أن يقال إن راسل من بين المؤثرات الأساسية التي أثرت في فلسفة فيتجنشتاين في فترة لاحقة أيضا، لكن على نحو معقد، وسلبي هذه المرة.
إذا لم يزد عدد من تأثروا براسل عن الأسماء التي ذكرتها فعلا - كواين وكارناب وأتباع الوضعية المنطقية وفيتجنشتاين ورايل؛ ومن الممكن أن يضاف إلى القائمة إيه جيه آير، وذلك بإقراره هو شأنه في ذلك شأن كواين - فمن المفترض أن يكون ذلك دليلا يؤكد صحة ادعاء فييمان بأن راسل هو مؤسس الفلسفة التحليلية في القرن العشرين وزعيمها. ولكن لدينا المزيد مما لا بد أن يقال في ذلك الصدد، ولدينا كذلك فكرة أنه يوجد من ينسبون هذه المكانة إلى غيره. وتستحق النقطتان المناقشة.
للأسف لا يوجد فهرس لمجموعة أوراق راسل البحثية التي حررها آر سي مارش بعنوان «المنطق والمعرفة». والمجموعة تجمع بين بعض من أهم مقالات راسل وأكثرها ترابطا، ومعظمها - بدورها - من المواد المطلوب أن يقرأها الفلاسفة المتخصصون في الفلسفة التحليلية. وتشمل «منطق العلاقات»، و«عن التدليل»، و«المنطق الرياضي بناء على نظرية الأنماط»، و«عن طبيعة الاطلاع»، و«فلسفة مذهب الذرية المنطقية»، و«عن القضايا: ماهيتها ومعناها»، وغيرها. وفي ظل غياب فهرس من المرجح أن يخط الدارس المتأني لهذه الأوراق البحثية فهرسه الخاص بالقلم الرصاص على الصفحات الخالية في مقدمة أو نهاية نسخته من الكتاب. وحين أتصفح نسخي من هذه الكتب أجد إحالات ليس فقط إلى الموضوعات التي من المفترض أن يتوقع المرء وجودها في مجموعة من أعمال راسل - الأوصاف، والتدليل، والأنماط، والأوهام المنطقية، والتحليل، والاطلاع، والبيانات الحسية، والعلاقات، والكليات، والجزئيات، والوقائع، والقضايا، وما إلى ذلك - بل أيضا قائمة بما يبدو أنه بعض الأفكار الملحة في الفلسفة التحليلية: مواقف القضايا والجهة، والعوالم الممكنة، والإبهام، ومذهب الطبيعية، ودالة الصدق، وطبيعة العقل، والتحقق والصدق، والوجود والمعنى، وغير ذلك الكثير. وينشأ قدر كبير من هذا من راسل نفسه؛ ومن ثم تشكل أعماله من حيث الموضوعات محل الاهتمام والمجال تغييرا ملحوظا في مسار تاريخ الفلسفة. وحتى الفلاسفة الخمسة المعاصرون الذين كثيرا ما يشيد بهم راسل في صفحات الشكر في كتبه - وكان كريما إلى حد فريد، بل مفرطا في الكرم، في نسب مصدر إلهامه إلى الآخرين - وهم بالتحديد بيانو وفريجه ووايتهيد ومور وويليام جيمس، يوجد واحد فقط من بينهم يضارعه في مناقشة هذا النوع والمجال (بدرجة أقل) من الموضوعات، وهو فريجه.
ولكن مع أن فريجه أثر في راسل، وأنجز أعمالا بارعة في فلسفة الرياضيات واللغة، فإن تأثيره على راسل كان أقل مما قد يفترض المرء؛ لأن راسل لم يفهم فريجه حين قرأ أعماله في بادئ الأمر، واضطر إلى إعادة اكتشاف بعض آراء فريجه بنفسه إلى أن فهم معناها؛ وحتى حينئذ - في بعض النقاط المهمة مثل الفارق الذي وضعه فريجه بين الحس والإحالة - لم يتخذ موقف فريجه ووضع فارقا مختلفا وأقل توفيقا. وعلاوة على ذلك كانت الموضوعات محل الاهتمام - مع أنها أشد عمقا - حدودها أضيق من حدود موضوعات راسل؛ لذلك كان تطبيق راسل للأفكار الجديدة في المنطق الرياضي على شئون فلسفية أوسع أمرا غير مسبوق فعليا؛ ولذلك فإن أصالة إسهامات راسل عظيمة.
كان لتأثير راسل صور أخرى أيضا؛ ففي الفصل الثالث من كتاب «معرفتنا بالعالم الخارجي» تناول راسل مشكلة تفسير الإدراك المكاني عن طريق بناء «افتراض نموذجي» كتفسير جائز يعلل كيف أن الأمكنة الخاصة القائمة على المنظور، التي يتعرض لها الأفراد بالرؤية واللمس، يتضح أنها متناسبة مع الأمكنة الخاصة للآخرين في المكان العام. وقد تمكن من تنفيذ ذلك من خلال إنشاء نموذج ثم «التخلص من كل ما هو زائد في الافتراض الذي وضعناه ونترك بقية قد نعتبرها الجواب المجرد على مشكلتنا» (معرفتنا بالعالم الخارجي، ص94). ويأخذنا راسل خطوة بخطوة صوب بنية تثبت كيف يمكن التغلب على تناقض ظاهري مهم بين عالم الحس وعالم الفيزياء. واستخدم بي إف ستروسون لاحقا أسلوبا مشابها في كتابه «الأفراد»؛ حيث استخدمه في بناء عالم يعتمد على حاسة السمع فحسب لاستكشاف مفاهيم الجزئيات الأساسية ومفاهيم إعادة التعرف. واستخدمه إيه جيه آير في كتابه «أسئلة فلسفية مهمة» لتحديد قدر الإمكانيات الإدراكية والمفاهيمية التي يجب أن نسلم بوجودها لدى مدرك ما كأساس يقوم عليه تعرضه لتجربة إدراكية. وتوجد أمثلة أخرى بالإضافة إلى ذلك.
من السمات اللافتة في إرث راسل أنه فلسفي بالكامل تقريبا بدلا من كونه منطقيا أو رياضيا. وتتطلب هذه الفكرة تفسيرا. وقد قال جي تي نيبون: «بفضل الإلهام الذي منحه كتاب «أصول الرياضيات» لعلماء المنطق والفلاسفة في القرن العشرين، وبفضل ما يتسم به من ثراء كمصدر للمفاهيم والوسائل الرمزية، يظل هذا العمل العظيم في أدبيات أصول الرياضيات أثرا متفردا من الطراز الأول بلا نظير.» هذا التقييم ليس صحيحا في المطلق؛ إذ أدت مجموعة الرموز المنطقية التي أدخلها كتاب «أصول الرياضيات» إلى تشكيل أساس ما أصبح اليوم هو المتعارف عليه، وقد ظهرت رؤى مختلفة لبعض التفاصيل الفنية الواردة في كتاب «أصول الرياضيات»، مثلا رؤية كواين لنظرية الأنماط؛ ولكنه صحيح في العموم، وهذا هو ما يستدعي التعليق. باختصار، شهدت فترة تأليف كتاب «أصول الرياضيات» والفترة التي أعقبت تأليف الكتاب حدوث زيادة مفاجئة في البحث الرياضي والمنطقي. من العدل أن يقال إنه سرعان ما جعل كتاب «أصول الرياضيات» قديما. صيغت مجموعة متنوعة من أنواع المنطق واكتشفت أنظمة صورية للحساب لا تقوم على المنطق، واتضح أن كلا من المنطق ونظرية المجموعات نسبيان (بمعنى أن التطورات التي حدثت في المناهج المختلفة أثبتت عدم وجود منطق فريد «مطلق» أو نظرية للمجموعات مطلقة)، وحلت نظرية المجموعات التي وضعها زيرميلو فرانكل محل نظرية المجموعات القائمة على نظرية الأنماط، وعرقلت النظرية الرياضية التي تتناول عدم الكمال - التي وضعها كيرت جوديل، وتقول في جوهرها إنه لا يمكن اختزال الرياضيات أو المنطق إلى نظام من المسلمات - الأمل القائم على النزعة المنطقية الذي كان يراود راسل لتفسير مصدر ومبررات المعرفة الرياضية بالحدود المنطقية.
ومن ثم، تعود قيمة كل من مشروع كتاب «أصول الرياضيات» ومساعي راسل للتغلب على الصعوبات الفنية وهو ينفذ ذلك المشروع أساسا إلى النتائج التي ترتبت عنه في مجال الفلسفة بدلا من مكانتها في تاريخ الرياضيات. والشيء نفسه ينطبق على أعمال فريجه، فيما عدا أن بعض ابتكاراته الفنية في شكليات المنطق كانت ذات أهمية بالغة لتطوره فيما بعد.
فريجه هو المفكر العظيم الآخر في بداية القرن العشرين الذي يعود إليه الفضل في تأسيس الفلسفة التحليلية. والباحث الذي يضع فريجه في صدارة الخريطة الفلسفية للقرن العشرين - وهو مايكل داميت - يؤكد أن جوهر الفلسفة التحليلية هو الادعاء بأنه لكي نفهم كيف نرى العالم، لا بد أن نفحص اللغة؛ لأن اللغة هي سبيلنا الوحيد نحو الفكر. ويؤدي هذا إلى جعل فلسفة اللغة محورية، لتحل محل نظرية المعرفة التي - منذ عصر ديكارت على أقل تقدير - كانت تتخذ هذا الموقف. ويقول داميت إن الفضل في إحلال فلسفة اللغة محل نظرية المعرفة يعود إلى فريجه. وكان فريجه قد شرع في المشروع نفسه الذي شرع فيه راسل - وبدأ قبله بعقدين - وهو مشروع بناء الرياضيات على أسس من المنطق. واكتشف أن الأدوات المنطقية المتاحة لديه غير كافية على الإطلاق لتنفيذ المهمة؛ ولذلك بدأ في ابتكار أدوات جديدة ونجح في ذلك. وساعدت ابتكاراته على تبسيط المنطق، وفي الوقت نفسه على توسيع تأثيره إلى حد كبير. ولكنه اكتشف أيضا أنه سيكون مضطرا إلى ضرب أمثلة على مفاهيم الإحالة والصدق والمعنى لتنفيذ مشروعه، وهذه هي المرحلة - كما يقول داميت - التي شهدت بدء الاتجاه إلى فلسفة اللغة.
مما لا شك فيه أن أعمال فريجه ذات أهمية بالغة في الفلسفة. ومما لا شك فيه أيضا أن فريجه قد أثر في راسل، مع أن ذلك كان على النحو المبهم الذي ورد وصف مختصر له فيما سبق قبل بضع فقرات. ولكن من الصعب أن نتفق مع ادعاء داميت الذي ينسب الأولوية التاريخية إلى فريجه، وليس سبب هذا فقط أن مفهوم داميت عن الفلسفة التحليلية مقيد على نحو غير واقعي؛ فالواقع أن أعمال فريجه كانت غير معروفة إلا فيما ندر في حياته (توفي في عام 1925)، وكاد راسل يكون الوحيد الذي حاول جذب الانتباه إليها. وحتى آنذاك، لم يدرك الناس المضمون الكامل لأعمال فريجه إلا في خمسينيات القرن العشرين، وفي الواقع لم يحدث ذلك إلا بعد ظهور الدراسات المهمة الأولى التي أصدرها داميت عن فريجه في ستينيات القرن العشرين. وبخصوص الجانب التاريخي البحت، من المفترض أن يكون من الأصح أن نقول إن القيمة البارزة لأفكار فريجه هي عبارة عن نتيجة متوقفة على أهميتها النظرية وليس التاريخية. أما بخصوص قدر كبير من أعمال راسل - نظريات الإدراك والمعرفة التي وضعها وفلسفات العقل والعلم التي ابتكرها - فمن الإنصاف أن نقول إن العكس صحيح؛ فالأهمية ذات طابع تاريخي أكثر منه نظريا. ولكن بعض أعمال راسل كما رأينا تجمع بين القيمة النظرية والتاريخية، وهذا يفسر كيف أنها أسهمت في تطور الفلسفة التحليلية.
أحيانا ما تقترح آراء ترى أحقية جي إي مور بلقب مؤسس الفلسفة التحليلية، وذلك ليس من فراغ. نسب راسل - بأسلوبه الكريم - خروجه من مذهب المثالية إلى تأثير مور، ومما لا شك فيه أن مزاج مور الفلسفي ومناهجه الفلسفية كان لها تأثير عليه. وادعى مور أنه فيما أن معظم الفلاسفة بدءوا يعبرون عن آرائهم الفلسفية بدافع الدهشة، كان مبرره في ذلك هو أنه اكتشف أن ما قاله الفلاسفة الآخرون مدهش. وكان الأسلوب الذي اتبعه يقوم على البحث عن تعريفات للمصطلحات أو المفاهيم الأساسية محل النقاش في حقل ما من حقول الاستقصاء الفلسفي. وكان يشترط في أي تعريف أن تكون الجملة أو الكلمات التي يتألف منها التعريف مرادفة للتعبير أو المفهوم المطلوب تعريفه على ألا تحتوي على مصطلحات مشتركة معه. ويكمن خلل هذا المطلب في أنه حتى إذا كانت مثل هذه التعريفات ممكنة - من المشكوك فيه وجود مثل هذه التعريفات، حتى في حالة التعريفات المعجمية مثل التعريفات المألوفة الواردة في القواميس - فهي لا تشكل إلا نوعا واحدا من التعريفات، أما الأنواع الأخرى - مثل التعريفات التحليلية (التي تعرف شيئا بوصف بنيته أو وظيفته) والتعريفات العملية (التي تسمح بأن يشرح شيء ما نفسه عن طريق عرضه وهو قيد الاستعمال) - فغالبا لا تكون فقط عملية أكثر، بل وكاشفة أكثر؛ ومن ثم تكون ذات قيمة فلسفية أكبر. وكان مور يقر بالطبع بوجود ونفع أنواع أخرى من التعريفات، ولكنه اعتبر النوع المفضل إليه هو النوع المثالي؛ وكان يرى أيضا أنه توجد مفاهيم فلسفية أساسية معينة - مثل مفهوم «الصلاح» في علم الأخلاق - ليس من الممكن توفير تعريف لها؛ وهذه الأشياء غير قابلة للتعريف وبدائية، ويجب أن تبدأ النظرية بها بدلا من أن تحاول تفسيرها.
অজানা পৃষ্ঠা