ورجع دحروج مع المساء. بدا متعبا معفرا، ولكن النجاح تألق في عينيه. وضحك عاليا، وهو يقول لسلامة: يا ولد العم، ليست الحرب كما يقولون، الحرب نعمة كبرى.
وأعطى آمنة لفافة لحم كبيرة قائلا: أسرعي، لم أذق اليوم لقمة واحدة.
ومن داخل الحجرة وهو يغير ملابسه ارتفع صوته: سأسافر غدا إلى الشرقية.
غاب يومين وعند أصيل اليوم الثالث انتظره سلامة فوق الخيشة خارج السور. جلس هادئا ثقيل الجفنين، يتخلل لحيته بأصابعه، يحصي الحدأ المتخلفة ويبادل الخلاء فتورا واستسلاما. وترامى إليه من الداخل صوت آمنة، وهي تنهر العيال بصوت هزه المرح فرنا إلى ذيل الشمس الآخذة في الانحسار عن قمة الجبل، وقال: إن الليل لن يلبث أن يجثم. ولفته صوت من الغرب فرأى تاكسي قادما حتى وقف عند نهاية السور، ثم غادره دحروج. اقترب الرجل وهو يضرب الأرض بقدم ثقيلة ثابتة ورأسه مرفوع. استقبله واقفا فتصافحا، ثم لكمه الرجل في صدره، وهو يضحك قائلا: سلامة يا بن زينب، الإنجليز رجال.
رمقه مستطلعا، فاستطرد الآخر في مباهاة: وأصلهم من الصعيد!
فدعا له بالمزيد من التوفيق. ودخل الرجل الخرابة صائحا بفرح كالأطفال: ولد يا محمود.
وراح يغني «سلم علي» وهو يفرقع بأصابعه راقصا.
وعوت الزمارة قبيل الفجر، فمضى دحروج وسلامة إلى الخلاء خارج السور كما تعودا أن يفعلا أخيرا.
وقال دحروج: لم تعد الزمارة تخيف أحدا.
انسابت الصحراء تحت ضوء القمر مرتعا للأحلام. وضحك دحروج طويلا حتى سأله سلامة عما يضحكه، فأجاب وهو يومئ بكوعه إلى الحجرة: شهدت هذه الليلة عمك دحروج كما كانت تشهده ليالي الشباب!
অজানা পৃষ্ঠা