ابتعد حسونة عن المنور، وهو يغمغم في ذهول: «تعب عمر!» انتقل من سطح الربع الذي يسكنه شنكل إلى السطح الملاصق له قاصدا غرفته الخشبية. تعب العمر؟! ولكن كيف! لقد فتش الجيوب جيبا جيبا فلم يعثر على شيء! البطانة. أجل البطانة. ولكن كيف كان له أن يتخيل ذلك؟! يجب أن يعثر على رمضان بأي ثمن. ولكن هل يرتاب شنكل في أمره؟ هل يتصور أن خروفا يجرؤ على اقتحام عرين الأسد؟ إن عمره يعد بالدقائق إذا لم يحصل على تعب العمر، ويرحل عن البلد.
وغادر ربعه للبحث عن رمضان. وجد سوق الكانتو خاليا إلا من شعاع خافت ينبعث من مصباح عمومي في أقصى طرفه الشمالي. ولم يعثر له على أثر في قهوة الجوهري، ولا في مجلسه بسوق الخضار، ولا في غرزة أم الغلام. أتراه يعد النقود في بيته؟ ولما لم يكن يدري أين مسكنه فقد رجع إلى سوق الكانتو عازما على قضاء الليل فوق الطوار، ليكون أول مستقبل له في الصباح.
وجلس القرفصاء أقرب ما يكون إلى المصباح. ضيعت ثروة يا حسونة الكلب. ولكن من كان يصدق أن شنكل يترك ثروة في باطن جاكتة مسروقة؟ وسمع وقع أقدام تقترب، فنظر نحو الظلام فرأى شبحا قادما. وعندما دخل القادم مجال الشعاع وضحت معالمه بعض الشيء فإذا به شنكل! ملأه الرعب فانتتر واقفا بلا وعي، فعرفه الرجل ورماه بنظرة سمرت قدميه في موضعه: حسونة!
فقال بصوت متهدج: نعم يا معلم. - ما لك مكوما كالزبالة! - رأسي ثقيل، فقلت أنام في الهواء.
وصفعه كأنما يجود عليه بإحسان، وسار في طريقه. لم يصدق عينيه، وتبعه بنظره حتى اختفى وهو لا يصدق عينيه، كلا، إنه لا يشك فيه؛ وإلا ما أعلن عطفه بتلك الصفعة! ما أعمى الخوف! أليس هذا بطريقه الذي يخترقه كل ليلة إلى سوق الخضار؟ وتنهد في إعياء ثم تداعى على الأرض.
واستيقظ مبكرا والحياة تدب في السوق. وما لبث أن رأى رمضان قادما يدفع عربته، هرع إليه بلا تدبير وقال بلا تمهيد: معلم رمضان، أين الجاكتة؟
رمقه الرجل بازدراء وهو يتمتم: «يا فتاح يا عليم.» لما كرر الآخر سؤاله بلهفة أحد سأله: لم تسأل عن شيء لا يخصك؟ - الجاكتة يا رمضان؟ - عليك عفريت اسمه جاكتة؟! بعتها. - بعتها! يا خبر أسود، بعتها يا رمضان؟ لمن؟
أجاب بارتياب: عطية الحلواني. - يا خبر أسود يا رمضان.
وضاق به فزعق: انطق!
سأله بعينين مجنونتين: ماذا وجدت فيها؟
অজানা পৃষ্ঠা