أخلاق سكان لبنان وعاداتهم
إن المسيحيين - رغم بساطتهم وجهالتهم وفقرهم - هم خير الشعوب التي تسكن لبنان وأودعها، وأكثرها أهلية لاقتباس العلم والثقافة، وأشدها خضوعا للكنيسة الرومانية، وتعلقا بفرنسا. إنهم يفاخرون بعناية ملوكنا بهم واهتمامهم، ولا يزالون يطالبون بالحماية القديمة التي سبق أن منحوههم إياها.
إن الموارنة حسنو الخلق، وهم لم يحرموا بعض التفكير، وتصرفاتهم على جانب كبير من اللين، بيد أن الرياء والمداجاة، وبوجه خاص روح الانتقام ترافق عادة هذا المظهر الجذاب.
إن نيبور - السائح المدقق - أدرك مثلي ما أتيت على ذكره ها هنا. ولقد أتيحت لي الفرصة فتأكدت أن بساطة العادات لم تكن تحول دائما دون فساد الأخلاق. وقد يكون تسرب إلى النساء المارونيات ما تسرب إلى غيرهن من الفساد. والأهالي المتصفون بالمداجاة واللياقة لا يحجمون متى سنحت لهم الفرصة عن أن يثأروا لأنفسهم ممن أساء إليهم ولو بعض الإساءة، أو عاقبهم وإن كانوا يستحقون ذلك العقاب.
إن الموارنة - مثل سكان سوريا الآخرين - قصيرو الأعمار، ولا يعرفون إلا التباهي المفرط بالملبوسات والأسلحة والخيول. بيد أن ذوقهم هذا محدود جدا لا تفنن فيه، وجميع ثرواتهم تنحصر فيما يرتدونه؛ نرى نساءهم يتحلين بخواتم ضخمة، وأساور فضية حول الزندين، وخلاخل في الساقين، ويتقلدن عقودا ثمينة، ويضعن في آذانهن أقراطا من الذهب، ويتعصبن بعصابات تشك فيها الدنانير الذهبية، ويعلقن في ذوائبهن عددا غير قليل من هذه الدنانير. إن غنى الأزواج في هذه البلاد يعرف من المجوهرات التي يتحلى بها نساؤهم في النهار وفي الليل؛ إذ إنهن ينمن متحليات بها.
وإذا كانت الحياة القاسية البائسة دليلا على قناعة ودماثة أخلاق البشر، فهذا البلد لا يفضله بلد في الإقليم الشامي؛ فخاصة الضيافة التي اشتهر بها لبنان هي أحد الدواعي التي تزيد تعلق الأجانب بهذه البقعة، مع أن تكاليف الحياة فيها أغلى كثيرا مما هي عليه في المناطق الأخرى؛ حيث تتيسر لنا حاجيات أكثر ملاءمة لأذواقنا، وأخف وطأة على جيوبنا.
وبعد، فما عساه أن يقدم لضيفه الرجل المرموق، بل أكثر الناس ثراء في الجبل؟ في العشاء أرز مفلفل ولبن وبيض، وعند النوم فراش رقيق مبسوط على حصير مع تمني الراحة للضيف العزيز ...
إن الصعوبات الناشئة عن أشباه هذه الفنادق تزداد وتنقص تبعا لحالة أصحابها؛ فإذا كان صاحب المنزل فلاحا بسيطا - وأغلب الأحيان ينزل السائحون عند هذا الفلاح - فغرفة نومه هي بالوقت نفسه زريبة مواشيه، وهكذا تؤنس مساكنة البقر، والحمير، والدجاج، والأولاد الصغار، السائح المسكين إلى حد بعيد ...
أما بيوت الأغنياء فتتألف من ثلاث حجر أو أربع غير مرتفعة الأبواب، لا يستطيع رجل معتدل القامة أن يعبر منها دون أن يحني رأسه. أما مفروشات البيت فتتألف من حصير وفراش ووسادة أو وسادتين، وصندوقين أو ثلاثة دهنت بالأخضر أو الأحمر، ومرآة يبلغ حجمها عشرين سنتيمترا. وهنالك بعض الأواني الغليظة من الفخار أو النحاس تستخدم في قضاء بعض حاجات المنزل، ثم تصف على رفوف في انتظار ساعة العمل، فتكون في هذه الفترة من أدوات الزينة والتجميل. إن النوافذ الصغيرة الضيقة لا إطار لها ولا زجاج، وهي تغلق في الشتاء بمصاريع خارجية، ولا توفر الراحة التي تعود عليها عندنا أبناء الطبقة العادية.
لا يجلس العرب أبدا في شبابيك منازلهم؛ فهذه الكوى لم تجعل عندهم إلا لينفذ منا ضوء النهار. أما إذا أرادوا أن يتنشقوا الهواء النقي فإنهم يذهبون إلى الحقول، أو يتفيئون ظلال أقرب شجرة إليهم. ليس التنزه من طبعهم. وهم يعدوننا مجانين لأجل هذه النزهات التي نقوم بها رواحا ومجيئا؛ فهم قلما يفهمون هذه الناحية فينا.
অজানা পৃষ্ঠা