نظر الباب العالي - بعين الحسد - إلى المركز الهام الذي حازته بيروت بفضل موانئها ومنتجاتها ورفاهية شعوبها، فأبى أن يعفيها من رسوم الجمارك؛ وهكذا اضطرت السفن إلى أن ترسو أكثر الأحيان في مرافئ صيدا وطرابلس التي كانت قاعدة أهم المؤسسات التجارية على الشاطئ، ولكن لما كانت أعمال التجارة حرة، كانت بيروت تتمتع بأفضلية على الأساكل الأخرى، ويجب أن نعتبر أن هذه المدينة هي أكثر أهمية من غيرها بالنسبة للمراكز الدبلوماسية، ومكاتب سوريا التجارية.
أما إخضاعها ثانية لسلطة السلطان مباشرة، فكان عام 1787.
هوامش
الفصل الثاني
أهمية بيروت التجارية - أسبابها. ***
لم يبد لبيروت شأن - كمدينة تجارية - إلا منذ ثلاثين سنة تقريبا. وأستطيع أن أؤكد - لأني زرتها عامي 1808، 1810 - أنه لم يكن يعقد فيها إلا صفقات تجارية قليلة. وبما أني لم أبارحها إلا عام 1828 بعد أن عدت إليها عام 1824، فقد استطعت أن أتتبع ازدهارها خلال فترة أربعة عشر عاما، في إبان نهضة صناعتها الحقيقية وتضخم ثروة سكانها.
وهذه المدينة - بالنسبة لعدد سكانها - تعد رابعة مدن سوريا؛ فهي دون طرابلس التي تأتي في الرتبة بعد الشام وحلب. ومن المؤكد أن عدد سكانها لا يتجاوز الخمسة عشر ألفا وخمسماية شخص، منهم سبعة آلاف مسلم، وأربعة آلاف من الروم الأرثوذكس، وألف وخمسماية ماروني، وألف ومائتان من الروم الكاثوليك، وثمانمائة درزي، وأربعمائة أرمني وسرياني كاثوليكي، ومائتا يهودي، وأربعماية أوروبي.
تضافرت عدة عوامل على جعل بيروت المركز الأكثر أهمية على الشاطئ؛ منها موقعها المتوسط، وقربها من الشام، وجودة حرائرها، وهدوء خليجها. وأقول مع هذا أن العامل الأشد تأثيرا هو مجاورتها للجبل الذي حافظ أمراؤه - حاكموه القدماء - على سلطانهم فيه.
إنه لم يكن - لعشرين سنة خلت - بإمكان تجار البلاد - سواء أكانوا مسلمين أو مسيحيين - أن يمارسوا أعمالهم التجارية إلا خفية؛ إذ لم يكن في استطاعتهم أن يستقروا في مكان ما بصورة نهائية؛ كانوا يعيشون عيشة موقتة، وفي خمول وانتظار الحوادث التي قد تدهمهم.
ففي ظل الحكم الدستوري تستطيع الطبقة المتوسطة أن تعيش مترفة وتنفق عن سعة. أما في ظل الحكم المطلق الظالم فالسعة لا تقضي على أصحابها بالحرمان فحسب، بل تعرضهم أيضا للخطر الذي تجره عليهم.
অজানা পৃষ্ঠা