ويخرج الميت من الحي (سورة الروم: 19).
إن للشرقيين ميلا قويا جدا إلى ضروب الأحاجي، وذلك ما يلاحظ في أساليبهم، وربما كنا - نحن الفرنج - قد اقتبسناه منهم لأنه كان سائدا عندنا في القرون الوسطى. إن في مقامات الحريري عددا لا يحصى من الأحاجي والألغاز على اختلاف أنواعها، وقد أحب العرب كثيرا أن يفهمهم الناس بالتلميح، فتراهم يستشهدون بأبيات من الشعر، أو مقتطفات من الكلام الجامع، والأقوال التي يجب أن يكون المخاطب ملما بها فيدرك معناها مستعينا بذاكرته وسعة اطلاعه.
هوامش
الفصل الخامس عشر
صناعة أهالي بيروت - غباوتهم - عدم تشجيعهم تربية التوت للحرير. ***
إن حالة الصناعة في بيروت تتلاءم وعقلية أهليها وحكامها. ويمكنني القول إن الفنون فيها في غاية السذاجة؛ فالأنوال والدواليب والأدوات الأخرى تصنع جميعها في البلاد وبأسمج شكل يمكن تصوره. ولما كان العرب يجهلون فن تقسية الحديد (سقايته) فإنهم يضطرون إلى الاستعانة بالمبارد الأوروبية عندما يريدون الحصول على آلات حادة قاطعة.
إنهم بوجه عام غير لبقين، وإذا استخدموا المقاييس والزوايا والزئبق فإنما يكون ذلك الاستعمال سطحيا، ولكي يظهروا للملأ أنهم يحسنون استعمالها. تدلنا على ذلك أعمالهم غير الدقيقة لأنهم لم يتوصلوا - حتى الآن - إلى عمل زوايا مستقيمة، وخطوط عمودية، وسطوح متساوية، واتساعات متعادلة دقيقة الصنع، فقلما تجد في بيروت بابا أو نافذة يقومان قياما مستقيما على قاعدتهما.
وعندما يلام العرب على تقصيرهم في أصول فنونهم يجيبون: «وما تأثير ذلك؟ إنا لسنا مثلكم عبيد هذه الاعتبارات، ولا نعلق أي أهمية على هذا التناسب الهندسي. أفلا تكون النتيجة هي إياها؟ سواء أكان الشيء يميل إلى الشمال أكثر منه إلى اليمين، أو أنه أكثر علوا أو أقل وطوا؟»
إن حفا الأرجل ينفع العمال كثيرا، ويساعدهم جدا، فبالإبهام يوقفون خيوط الفتيلة (الشلة) التي يبرمونها، وبها يستعينون على حل الحرير، ويلتقطون ما يسقط من أيديهم على الأرض دون أن ينحنوا. وطاولات النجارين ومقاعدهم هي أقدامهم وليس غيرها.
وهنا بوجه خاص يصح قول مثلنا: يصير الرجل حدادا بممارسة الحدادة؛ لأن الحرف تتعلم هنا بالتقليد والممارسة؛ فكل عامل منهم لا يعرف أصولا لعمله، ولكنه تعلمها بصورة تقليدية، وهو يعلمها سواه بالصورة نفسها. فأصحاب المهن الذين نجدهم في هذه البلاد قد خصوا بمواهب ممتازة لفتت أنظار الإفرنسيين ففضلوهم على غيرهم واستخدموهم.
অজানা পৃষ্ঠা