قال في برود: هذا من سوء حظك.
وأومأ برأسه إلى المرافق، فتقدم مني، وأمسكني من ذراعي، واقتادني إلى الخارج.
22
تأكد سوء حظي عندما جاء اليوم التالي بلا شمس. وظلت عيناي على الكوة في انتظار الضوء وما يجلبه من دفء. لكن السماء ظلت معتمة. ولم يلبث المطر أن هطل. وتناثر رذاذ منه عبر الكوة، ثم تجمع أسفلها على الأرض، في بركة صغيرة.
قاومت البرد بالحركة المستمرة. وتجنبت التفكير فيما يمكن أن يحدث لي على يد الفينيقي ورجاله. وبين الحين والآخر كنت ألصق أذني بثقب الباب. لكني لم ألتقط صوتا واحدا يوحي بوجود أحد غيري في المبنى.
وبعد فترة من الوقت، طرق سمعي وقع خطوات تقترب وتتوقف عند الباب. وانفرج مصراعه عن الشاب الذي أحضر لي جردل البول بالأمس، فوضع على الأرض صينية تحمل رغيفا من الخبز الأبيض المستدير، وعلبة ورقية من اللبنة، وكوبا من الشاي يتصاعد منه البخار. ولم يكد ينصرف حتى أسرعت إلى الصينية، وتناولت كوب الشاي بين يدي، واستمتعت بسخونة محتوياته وهي تتسلل إلى جوفي، ثم أتيت على الرغيف واللبنة.
ضاعفت الوجبة الصغيرة من رغبتي في القهوة والسجائر. لكني تشاغلت عنهما بالمشي والقفز، وبسلسلة من أحلام اليقظة. وعبرت بسرعة إلى مرحلة المشروعات الكبرى التي يعرفها كل سجين بعد فترة من الحبس، فتدبرت الإقلاع عن التدخين والخمر، والانتظام في ممارسة الرياضة، والسكنى قرب البحر ومضاعفة ساعات الكتابة.
ولم يكد الظلام ينتشر، حتى عكفت على تدعيم ركني بالمزيد من صناديق الكرتون، ثم انكمشت به، وأسلمت عيني للنوم.
رحت في نوم عميق متصل، لم أفق منه إلا مع بزوغ الفجر. وراقبت انتشار الضوء دون أن أبارح مكاني. لكني سرعان ما غادرته عندما سقطت أشعة الشمس على الجدار المجاور للكوة، وانتشرت فوقه على شكل مستطيل مائل تتجه إحدى زواياه إلى أسفل. وقفت تحت المستطيل الشمسي ملتمسا شيئا من الدفء. واتسعت مساحته بالتدريج، فأصبحت قادرا على أن أضع فيها شعر رأسي ثم جبهتي وأذني وعيني.
استمتعت بانتشار الدفء على وجهي ثم صدري. وقضيت الساعات التالية بين بقعة الشمس والباب. وكانت تأتيني عبره أصوات مبهمة صادرة من جهات مختلفة. ومرت أقدام عديدة من أمامه دون أن تتوقف. لكني لم أفقد الأمل في أن يأتي حامل الصينية في أي لحظة.
অজানা পৃষ্ঠা