ولكنها قالت فيما يشبه التحذير: ليس من الحكمة في شيء أن نتحدى غضبه، فمثله من يلين بالطاعة ويشتد بالعصيان.
وهمتا بالاعتراض مرة أخرى ولكنها أسكتتهما بإشارة من يدها، واستطردت قائلة: لا جدوى من الكلام، لا بد من الذهاب، سأجمع ثيابي وأرحل، لا تجزعا، لن يطول افتراقنا، وسنجتمع مرة أخرى إن شاء الله.
وانتقلت المرأة إلى حجرتها بالدور الثاني والفتاتان في أعقابها وهما تبكيان كالأطفال، وأخذت تخرج ملابسها من الصوان، حتى أمسكت خديجة بيدها وسألتها بانفعال: ماذا تفعلين؟
وشعرت الأم بدموعها تغالبها فامتنعت عن الكلام أن تفضحها نبراتها، أو تستسلم للبكاء الذي صممت على مقاومته ما دامت بمرأى من ابنتيها، فأشارت بيدها كأنها تقول: «الحال يوجب أن أجمع ملابسي.»
ولكن خديجة قالت بحدة: لن تأخذي معك إلا تغييرة واحدة ... واحدة فقط.
فندت عنها تنهدة، ودت تلك اللحظة لو يكون الأمر كله حلما مزعجا، ثم قالت: أخاف أن تثور ثائرته إذا رأى ملابسي بمكانها! - سنحفظها عندنا.
وجمعت عائشة الثياب إلا تغييرة واحدة كما اقترحت أختها، فأذعنت الأم لهما في ارتياح عميق كأن بقاء ملابسها في البيت مما يثبت لها حقا في العودة إليه، ثم جاءت ببقجة وصرت فيها الملابس التي سمح لها بها، وجلست على الكنبة لتلبس جوربها وحذاءها والفتاتان حيالها تنظران في حزن ذاهل، حتى رق قلبها لهما فقالت متكلفة الهدوء: سيعود كل شيء إلى أصله، تشجعا حتى لا تستفزا غضبه، إني أعهد إليكما بالبيت وآله، ولي كل الثقة في كفاءتكما، ولا شك عندي في أنك ستجدين من عائشة كل معاونة، قما بما كنا نقوم به معا كما لو كنت معكما، كلتاكما شابة خليقة بأن تفتح بيتا وتعمره.
ونهضت إلى ملاءتها فارتدتها، وأسدلت على وجهها البرقع الأبيض في تمهل متعمد لتؤجل، ما استطاعت، اللحظة الأخيرة المعذبة المحيرة، ووقفن حيال بعض لا يدرين كيف تكون الخطوة التالية. لم يسعفها صوتها على النطق بكلمة الوداع، ولم توات إحداهما الشجاعة على الارتماء في حضنها كما تود، ومرت الثواني محملة بالعذاب والقلق، بيد أن المرأة المتجلدة خافت أن يخونها تجلدها، فخطت خطوة نحوهما ومالت إليهما، فقبلتهما بالتتابع وهي تهمس: تشجعا، ربنا معنا جميعا.
هنالك تعلقتا بها وأفحمتا في البكاء.
وقد غادرت الأم البيت بعينين ذارفتين تراءى الطريق خلال دمعهما وهو يتميع.
অজানা পৃষ্ঠা