বায়ন কাসরাইন

নজীব মাহফুজ d. 1427 AH
189

বায়ন কাসরাইন

بين القصرين

জনগুলি

فقال الشاب بقوة: بل تشيع جنازته مع إخوانه في احتفال شعبي.

ثم برجاء: القصر محاصر الآن بقوات من البوليس، ولا بأس من الانتظار ما دمنا نحرص على تمكين أهالي الشهداء من توديعهم قبل تشييع الجنازة، لا يليق أن يشيع فهمي في جنازة عادية كمن قضوا في بيوتهم.

ثم مد له يده مودعا، وهو يقول: اصبر وما صبرك إلا بالله.

وصافحه الآخران مكررين له العزاء، ثم ذهبوا جميعا ... أسند رأسه إلى راحته وهو يغمض عينيه، فجاءه صوت جميل الحمزاوي وهو يعزيه بنبرات باكية، ولكنه بدا ضيق الصدر بالتعزية، ولم يعد يحتمل البقاء، فزايل موضعه يسير بخطى بطيئة ثقيلة، حتى غادر الدكان، ينبغي أن يخرج من حيرته، فإنه لا يدري حتى كيف يحزن، يود لو يخلو إلى نفسه ولكن أين؟ سينقلب البيت جحيما بعد دقيقة أو دقيقتين، وسيلحق به الأصدقاء فلا يدعون له فرصة للتفكير ... متى يتأمل الخسارة التي مني بها ... متى يتهيأ له أن يغيب فيها عن الدنيا جميعا؟ يبدو هذا بعيدا ... ولكنه آت لا ريب فيه، وهذا قصارى ما يجد من عزاء في راهنه ... أجل سيأتي وقت يخلو فيه إلى نفسه، ويفرغ إلى حزنه بكل كيانه، هنالك يمعن النظر في موقفه على ضوء الماضي والحاضر والمستقبل، أطوار حياته كلها من طفولته وصباه إلى ريق شبابه، ما أثار من آمال، وما خلف من ذكريات مطلقا لدموعه العنان، حتى يستنفدها عن آخرها، حقا أن أمامه فسحة من الوقت يحسد عليها فلا داعي للجزع، انظر إلى ذكرى الملاحاة التي نشبت بينهما عقب صلاة الجمعة، أو ذكرى ما دار بينهما هذا الصباح من استعطاف وعتاب، كم يستغرقان من وقته تأملا وتذكرا وشجنا؟ كم يستهلكان من قلبه؟ كم يهيجان دموعه؟ كيف يجزع؟ الأيام تدخر له كل هذه السعادة؟ رفع رأسه المثقل بالفكر، فلاحت لعينيه المظلمتين مشربيات البيت، فذكر أمينة لأول مرة حتى أوشكت أن تخونه قدماه ... ما عسى أن يقول لها؟ كيف تتلقى الخبر؟ الضعيفة الرقيقة التي تبكي لمصرع عصفور! أتذكر كيف هملت دموعها لمقتل ابن الفولي اللبان؟ ماذا تصنع لمقتل فهمي؟ ... مقتل فهمي! ... أهذه هي نهايتك حقا يا بني؟ ... يا بني العزيز التعيس! ... أمينة ... ابننا قتل، فهمي قتل ... يا له ... أتأمر بمنع الصوات كما أمرت بمنع الزغاريد من قبل؟ ... أم تصوت بنفسك أم تدعو النائحات؟! ... لعلها تتوسط الآن مجلس القهوة بين ياسين وكمال متسائلة عما أخر فهمي، سوف يتأخر طويلا، لن تريه أبدا ... ولا جثته، ولا نعشه، يا للقسوة، سأراه أنا في القصر أما أنت فلن تريه، لن أسمح بهذا ... قسوة أم رحمة؟ ما الفائدة؟ ... وجد نفسه أمام البيت، فامتدت يده إلى المطرقة، ثم تذكر أن المفتاح في جيبه، فأخرجه وفتح الباب، ثم دخل ... ترامى عند ذاك إلى سمعه صوت كمال وهو يغني بعذوبة:

زوروني كل سنة مرة

حرام الهجر بالمرة

অজানা পৃষ্ঠা