বায়ন কাসরাইন

নজীব মাহফুজ d. 1427 AH
175

বায়ন কাসরাইন

بين القصرين

জনগুলি

فقال الشيخ متولي بلهجة سريعة عابرة، كأنما يضع كلامه بين قوسين؛ ليعود إلى حديثه الأول: لا يزال مبعدا عن البلاد، وهو يقيم في بلاد فرنسا ومعه زوجه وأولاده، لشد ما يخاف شداد بك أن يموت قبل أن يرى ابنه في هذه الدنيا.

وسكت مرة أخرى، ثم مضى يهز رأسه يمنة ويسرة، ويقول بصوت منغوم، كأنما ينشد مطلع توشيح نبوي: بعد انتصاف الليل بساعتين أو ثلاث والناس نيام، حاصر البلدتين بضع مئات من الجنود البريطانيين مدججين بالسلاح ...

انتبه السيد انتباهة قاسية ... حاصروا البلدتين والناس نيام؟ ... أليس أولئك المحاصرون من جنس هؤلاء الذين يعسكرون أمام البيت؟ ... بدءوا بالاعتداء علي فأي خطوة تالية يضمرون؟!

ضرب الشيخ على ركبتيه كأنما إنشاده ينوع من الإيقاع، ثم استطرد قائلا: واقتحموا على العمدتين داريهما فأمروهما بتسليم السلاح، ثم مرقوا إلى الحريم، فنهبوا الحلي، وأهانوا النساء وجروهن من شعورهن إلى الخارج وهن يولولن ويستغثن وما من مغيث، عطفك اللهم على المستضعفين من عبادك.

دار العمدتين! ... العمدة شخصية حكومية أليس كذلك؟ ... لست عمدة ولا داري بدار عمدية، ما أنا إلا رجل كسائر الناس، ما عسى أن يصنعوا بأمثالنا؟ تصور أمينة مجرورة من شعرها، أيقضى علي بأن أتمنى الجنون! ... الجنون؟

واصل الشيخ حديثه وهو يهز رأسه قائلا: وأجبروا العمدتين على أن يدلوهما على بيوت مشايخ البلدتين وأعيانهما، ثم اقتحموا البيوت محطمين الأبواب، نهبوا كل ثمين، اعتدوا على النساء اعتداء إجراميا بعد أن قتلوا اللاتي حاولن الدفاع عن أنفسهن، وضربوا الرجال ضربا مبرحا، ثم غادروهما بعد أن لم يبقوا فيهما على ثمين لم يسلب، أو عرض لم يثلم.

ليذهب كل ثمين إلى الجحيم ... «أو عرض لم يثلم» ... أين رحمة الله؟ ... أين انتقامه؟ ... الطوفان ... نوح ... مصطفى كامل. تصور! ... كيف يمكن أن تبقى معه بعد ذلك تحت سقف واحد! أي ذنب جنت! ... وهو بأي وجه؟!

ضرب الشيخ بيده ثلاثا على ركبتيه، ثم عاد إلى الحديث وقد تهدج صوته، فصار بالنواح أشبه، قال: وأضرموا النار في البلدتين مستعينين بما على أسقف الدور من حطب وقش، وبما صبوا عليها من بترول، استيقظت القرى في فزع رهيب وفر أهلوها عن بيوتهم كالمجانين، وعلا الصراخ والأنين، وامتدت ألسنة اللهب في كل مكان، حتى استحالت البلدتان شعلة من النيران.

هتف السيد بلا وعي: يا رب السموات والأرض!

فمضى الشيخ قائلا: وضرب الجنود نطاقا حول البلدتين المشتعلتين من بعيد يتربصون بالأهالي البؤساء الذين انطلقوا هائمين على وجوههم تتبعهم الأغنام والكلاب والقطط، يرومون سبيلا للنجاة من النار، فما إن بلغوا مواقف الجنود حتى انهال هؤلاء على الذكور ضربا وركلا، ثم حجزوا النساء ليسلبوا حليهن ويهتكوا أعراضهن، فإذا قاومت إحداهن قتلت، وإذا ندت عن زوج أو أب أو أخ حركة دفاع رمي بالرصاص.

অজানা পৃষ্ঠা