وتحرك القطار.
واعترتني نفس الغصة التي تعتريني كلما غادرت البلدة ... غصة لكل ما اختلقت من أكاذيب، وخجل لأنهم صدقوا أكاذيبي، وشيء كقبضة تجثم على قلبي وتعتصره لإحساسي أني مدين بالكثير لهذه الأرض التي أغادرها ولهؤلاء الناس الذين أفر منهم، ولم أفعل لأجلهم إلا أقل القليل.
وكلما كان القطار يتقدم صوب القاهرة كانت غصتي تهدأ؛ فلم يكن القطار يقطع بي المسافة فقط، كان يقطع بي أيضا مسافة نفسية، ويبعدني بسرعة عن ابن القرية المدين لها، إلى ابن المدينة المذهول بأضوائها الضائع فيها الطامح يوما أن يخضعها ويتحكم فيها.
غير أن القطار كان كلما اقترب من القاهرة ازداد خوفي.
خوفي على سانتي.
ولست أعرف كيف أقول هذا، ولكن الأيام التي قضيتها في بلدتنا أثبتت لي أن سانتي هي الشيء الوحيد غير الحقيقي في حياتي، هي الحلم الوحيد في حياة أحسن، الأمل وسط واقع جاف لا أمل فيه.
وقد كنت على استعداد لأن أبذر واقعي، ولكني لم أكن أبدا على استعداد لأن أفرط في أحلامي، بل في حلمي الوحيد، وجعلتني تلك الأيام التي عدت فيها إلى واقعي البشع أتشبث بسانتي تشبث الغريق. وهكذا لم أعد ذلك الواثق الثابت المطمئن الذي وضع سانتي في جيبه ولم يعد عليه إلا أن يمد يده ويأخذها. خيل لي أنها - لسبب ما - قد ضاعت هي الأخرى كما ضاعت المدينة الوهم في قرية الواقع الرهيب.
وبدأت أخاف.
أخاف أن تكون قد ذهبت إلى الأبد وألا تأتي في الميعاد.
بدأ هذا كشكوك ليس إلا.
অজানা পৃষ্ঠা