الروم وهدمتها وظنت أن حسان يريد مدينة ليتحصن بها فبلغ خبرها حسانًا فنزل بوادي مسكيانة فرجلت الكاهنة حتى نزلت على الوادي المذكور فكان هو يشرب من أعلى الوادي وهي من اسله فلما توافت الخيل دنا بعضهم من بعض فأبى حسان أن يقاتلها آخر النهار فبات الفريقان ليلتهم على سروجهم فلما أصبح الصباح التقى الجمعان فقاتلوا قتالًا لم يسمع بمثله وصبر الفريقان صبرًا لم ينته أحد إليه إلى أن انهزم حسان بن النعمان ومن معه من المسلمين وقتلت الكاهنة العرب قتلًا ذريعًا وأسرت ثمانين رجلًا من أعيان أصحابه وسمي ذلك الوادي وادي العذارى واتبعته الكاهنة حتى خرج من عمل قابس فكتب حسان إلى أمير المؤمنين عبد الملك يخبره بذلك وإن أمم الغرب ليس لها غاية ولا يقف أحد منها على نهاية كلما بادت أمة خلفتها أمم وهي من الجهل والكثرة كسائمة النعم فعاد له جواب أمير المؤمنين يأمره أن يقيم حيثما وافاه الجواب فورد عليه في عمل برقة فأقام بها وبنى هنالك قصورًا تسمى إلى الآن بقصور حسان.
وملكت الكاهنة المغرب كله بعد حسان خمس سنين فلما رأت إبطاء العرب عنها قالت للبربر إن العرب إنما يطلبون من أفريقية المدائن والذهب والفضة ونحن إنما نريد منها المزارع والمراعي فلا نرى لكم إلا خراب بلاد أفريقية كلها حتى ييئس منها العرب فلا يكون لهم رجوع إليها إلى آخر الدهر فوجهت قومها إلى كل ناحية يقطعون الشجر ويهدمون الحصون فذكروا أن أفريقية كانت ظلًا واحدًا من طرابلس إلى طنجة وقرى متصلة ومدائن منظمة حتى لم يكن في أقاليم الدنيا أكثر خيرات ولا أوصل بركات ولا أكثر مدائن حصونًا من إقليم أفريقيا والمغرب مسيرة ألف ميل في مثله فخربت الكاهنة ذلك كله وخرج يومئذ من النصارى والأفارقة خلق
1 / 36