মিশরের মহাউত্থানের নায়ক সাদ জাগলুল বাশা
بطل النهضة المصرية الكبرى سعد زغلول باشا
জনগুলি
الرطانة ما جعلهم وسطا بين المغاربة والمشارقة، وقد كان لسعي ذلك الوزير القوي الروح الكثير الشخصية فضل على الدين؛ لأن اللغة العربية هي لغة الإيمان ولسان القرآن ولو ضعفت مكانتها لعدا بسوء حالها على العقائد، ولو تردت عن سموها لتردت المبادئ الإسلامية من سمائها، ولكن أبت عظمة الرجل عليه إلا أن يرفع مستوى اللغة، ويعلي مكانتها ويمشي بأدبها إلى الظهور، ولعل رقي أساليب الكتابة في السنين الأخيرة وعناية المتأدبين بالأدب وكثرة الكتاب المجيدين من الشباب واحتفال الأدباء بالتجويد واختراع المعاني وبراعة المناحي كل أولئك من آثار تلك الخطة التي أنفذها سعد باشا وأخذ على نفسه العهد إلا أن ينجزها.
ونحن نعلم أن مكان الوزير في وزارته لا يزال موقفا حرجا وموطنا مستنفدا الصبر، ضيق المضطرب إذ تمتد حوله الأيدي، تغل يده عن عمله إذا أراد عملا، وتغلق مفاتيح السعي إذا ابتغى سعيا، وتضع له من العقبات في طريقه ما يسد عليه السبيل ويحميه السنى.
وكانت وزارة المعارف هي الوزارة التي لا يكون فيها الوزير إلا حامل خواتيم وواضع توقيعات، وممهر رسائل ومكاتبات وهو حاجب من الحجاب على وزارته، وكبير في مظهره وإن كان صغيرا في حقيقته، ولكن إذا وزر سعد عليها وألقيت إليه ودفع إليها وهو يعلم ما كان من الوزراء قبله وما حظ الوزير منها اختط الخطة لنفسه لأن العظمة تأبى أن تصغر دون ما هو أهل لها وتنكر على نفسها أن تضؤل فتكون في يد الناس آلة، وفي خدمة القوم أداة.
والعظيم لا يتطامن للأكاذيب وإن لبست ثوب الحقائق ولا يسكن للتمويه وإن ارتدى بردة اليقين؛ لأن العظيم إنما يأخذ من نفسه ولا يرضى أن يأخذ الناس من روحه، ولخير له أن يفقد الناس جميعا أرواحهم، وتعيش الدنيا بلا أرواح من أن يفقد روحه، ويسيء إلى ضميره، ولو أكره الناس عظيما على مكان خفض ومركز مهين، لما رضي أن يسلك فيه، ولو تقبله لرفع من شأنه، وطهر من مقاذره، وهذب من حواشيه، وجعله عليا ساميا، حتى يوازن بين عظمة نفسه وعظمة المكان الذي هو فيه.
فلا تعجب إذن إذا علمت أن بطل هذا التاريخ كان في وزارة المعارف الوزير العامل المنفذ لإرادته، المحتفظ بشخصيته، وأنه أطلق نفسه منذ ذلك الأسار الذي ارتضاه الوزراء قبله وبعده، وتحرر من السلطة التي عاهدت نفسها إلا أن تحتكر كل شيء دون الوزير ويده، وتخلص من تلك الشورى العنيدة التي هو في غنى عنها، وقبض على أزمة الوزارة وأشرف على جميع شئونها، حتى أصبحت السلطة كلها في يديه يصرفها كما يشاء عقله الكبير، وذهنه الجبار، ويقلبها على الوجوه الصالحة التي ترتضيها رويته وحكمته ورزانته.
وكان سعد بعد كل هذا في وزارة المعارف الوزير المصري الأوحد الذي عرف كيف يكون جليلا أمام تلك السلطة الإشرافية، رائعا أمام النير الذي يحوطه، قويا أمام الذين يريدون أن ينقصوا من قوته، فكان عهده في وزارة المعارف، عهد خير وإصلاح، ومقدمة تهذيب ورقي. (5) في الوزارة السعيدية
في عام 1910 انحلت الوزارة البطرسية على أثر حادثة الورداني، فتألفت وزارة سعيد، فأصاب فيها سعد وزارة الحقانية، ونحن لسنا في مقام الكلام عن تلك الوزارة، ولا بسبيل أولاء الرأي التاريخي عنها؛ لأن ذلك فريضة المؤرخ العام، ودأب المتصدين له، ولكنا نجزئ القول فنقول: إن سعيدا وثب من الجماعة التي نهض في صفوفها سعد، وهي جماعة القضاء، وأساطين القانون، ولو كان يحمل في جوانحه البذور الصالحة للأجل العظيم لكان، ولو كانت تضطرب في حياته روح النزاهة، وحمية الإخلاص، ووفدة الصدق، لظهرت في وزارته وتجلت في سيرته، ولكن سعيدا أوتي ذهنا طيبا، وذكاء لا بأس به، ولكن لم يؤت قلبا جميلا، ولم تمنحه الطبيعة العاطفة القوية، ولم تبذر في فؤاده البذور الشريفة الناهضة السامية.
وأنت ترى أن في الناس عظماء أذهان، تنهض على قلوب من الطين، وأفئدة من الآجر، وعظماء أرواح، لا قوة لأذهانهم، ولا عظمة تمتزج بألبابهم، على حين تجد أقدر العظماء وأقلهم عدادا، منهم عظماء أرواح وأذهان معا، وهؤلاء لا تسرف في خلقهم القوة الإلهية، ولا تفرط في حشدهم للدنيا والإنسانية، وإنما تبعث الفرد منهم على فترات الأجيال، وعلى هون من القرون والأعوام، ليتم الغرض المقدس الذي أرادت أن تنفذه في هذا الكوكب الأرضي، فأما عظماء الأذهان الذين تنهض أذهانهم الجبارة على قلوب ضعيفة متأودة مريضة ملوثة، فهؤلاء أقرب إلى الشر منهم إلى الخير، وأنعر مما يطلب عظمة الروح، وذكاء القلب، وأجنح إلى ما يجتمع فيه الدهاء والخسة، ويلتقي فيه الخداع وألاعيب العقل، بالصغار والحقارة، ثم أليس في اللصوص عظماء أذهان، وأليس في المحابس مجرمون من كبار العقول أهل البديهة الحاضرة، والمهارة الذهنية الغريبة، وما ساق بهم إلى غياباتها إلا أن ذكاءهم لم يجد سلطانا عليه من أرواحهم، وإن عقولهم لم تر ضابطا يضبط زيفها ويقتل إغراءاتها، ويطهر من أدرانها، ويمحو من ضلاتها، على أن خارج حيطان السجون، وجدر المحابس، من هؤلاء الأذكياء الضعفاء الأرواح الذين يجرمون في كل يوم عن كثب من القضاء، وجهل من الشرطة، ويحشدون من خدائع العقل وسقوط الوجدان، ما لو اضطلعت عليه لوليت منهم فرارا ولقلت إنهم أحق بالسجون ممن في غياباتها ودورها وحجراتها.
ومن هذا يتبين لك أن عظماء القلوب هم الذين يملأون الدنيا خيرا وهم جمال العالم وزين الخلق وهم الملائكة الأرضيون ورسل الصلاح الطهرة الأبرار، أما عظماء الأذهان فهم الذين يملأون الدنيا دموعا ويرسلون في جوانب الحياة عبرات، وهم أكثر الناس إحداثا للشر وإخراجا للأذى؛ لأن العظمة الذهنية الخلو مما تعتمد عليه من الروح الشريفة لا تزال نقمة على الناس وحربا على أهلها.
إذا أدركت ذلك فاعلم أن الوزارة السعيدية كانت رأسا بلا قلب وكانت دهاء «بلا ضمير» ولذلك عاشت أعواما أربع أو نحوها ولو وزنت بمقدارها وقدرت لها السن الواجبة لما عاشت إلا أياما أربع أو ما دونها.
অজানা পৃষ্ঠা