وفي كتابه «مرجع السياسة للجميع» يقول: «إنني - بما أعلمه من الدنيا - أرى أن السياسي ينبغي أن يتدين، ولكنه ينبغي كذلك أن ينبذ من ديانته كل تخصيص لا يصلح للتعميم.»
ثم يشفع ذلك بشرح التخصيص الذي يعنيه، وهو التخصيص الذي يستثني أناسا دون آخرين، ويزيد الشرح فيتضح من جملة كلامه أن الديانة التي يؤثرها للساسة هي ديانة التطور الخلاق، أو هي ديانته التي سماها بديانة القرن العشرين. «فإذا جاز للسياسي أن يشخص العامل الخلاق في البيولوجي باسم الرب، فليس له أن يصبغه بالصبغة القومية كأنه هو يهوا أو الله أو بوذا أو برهما.
وينبغي فوق كل شيء ألا يتطلع إلى الرب ليقوم عنه بأداء عمله، وإنما عليه أن يعتبر نفسه خادما غير معصوم لرب غير معصوم، عاملا بالنيابة عن الرب، ومفكرا بالنيابة عن الرب؛ لأن الرب - وهو لا ينجز مقاصده بغير أيدي أو رءوس - قد هيأ لنا أن نرقي أيدينا ورءوسنا لنعمل باسمه ونفكر باسمه، ونوجز فنقول: إننا لسنا في أيدي الرب بل الرب في أيدينا. فليس للوالي أن ينادي نداء العجز: فلتكن مشيئتك. بل عليه أن يرسم هذه المشيئة وأن يبحث عن وسيلة إنجازها وأن ينجزها فعلا وحقا. ولا يكونن إلهه كمالا موجودا مطلق القدرة مطلق المعرفة، بل مثلا أعلى يسعى إليه التطور الخلاق، ويكون النوع الإنساني بالنسبة إليه أحسن محاولة من محاولاته حتى اليوم، ولكنها على هذا محاولة معيبة جدا معرضة في كل لحظة للاستبدال إذا بدا للتطور الخلاق أنها محاولة ميئوس منها. وعليه، على السياسي أن يواجه الشر في الدنيا - وهو الذي يغض من الخير الإلهي ويجعله ظافرا في حكم السخف والإحالة - كأنه بقية متخلفة من أخطاء حدثت بنية حسنة في أصلها، وأن ينظر إلى الحياة كأنها خالدة دائمة، ولكنه ينظر إلى معاصريه كأنهم خلائق زائلة لا حياة لها وراء القبر تعوضها عن أي ظلم لحق بها في دنياها.» •••
وهكذا نخرج من كلام برنارد شو عن الدين في مواضعه المختلفة بنتيجتين عن ديانته هو وعن الديانات القائمة بين الجماعات البشرية.
فديانته هي إيمان التطور الذي يخطئ ويصيب من طريق المحاولة بعد المحاولة، وهو علامة على ارتقاء الإنسان في معارج التطور، يدين به طواعية بغير مثوبة ولا عقاب، ولكنها طواعية مستمدة من ضروريات «التطور الخلاق» والأمل في زيادة الارتقاء.
والديانات التي تؤمن بها الجماعات البشرية عامة لازمة محترمة في نظره وتقديره، ويغلب أن يكون لزومها عنده لزوم المصلحة الاجتماعية والنفسانية التي لا غنى عنها للجماعات أو الآحاد.
ولا يصلح الإنسان على كل حال بغير إيمان. (3) الفلسفة الاجتماعية
أما الفلسفة الاجتماعية التي يبشر بها شو فخلاصتها في كلمتين: إنها «الاشتراكية الفابية» أي الاشتراكية في صورتها المميزة عن الشيوعية الماركسية.
وتنسب الفابية إلى القائد الروماني القديم فابيوس
Fabius
অজানা পৃষ্ঠা