وأمسكت التليفون لتخبر أختها بنجاح ابنيها، وبشرتها وجيدة بأن هناء أيضا حصلت على ليسانس الحقوق، وأن أيمن نجح وأصبح في السنة النهائية من نفس الكلية. وكان الدكتور أمجد في البيت، وكان سعيدا غاية السعادة بنجاح ابنته وابنه. وهنأ حميدة بنجاح ولديها، واستردت حميدة فرحتها التي كان استقبال هارون قد خفف منها.
وراحت حميدة تكلم أبويها وصديقاتها جميعا، وفجأة تذكرت أنها لم تكلم الحاج حامد فأدارت القرص وكلمته في البلدة، فكانت سعادته الواضحة من صوته أعظم ألف مرة مما رأته من عدم اهتمام هارون بالخبر. وكلمتها حماتها الحاجة توحيدة وهي تقول: لو كنت أعرف كيف أزغرد لزغردت، ولكن انتظري! يا نبوية، يا أم الهنا، يا سعدية، زغردن يا بنات واملأن الدنيا زغاريد.
وسمعت حميدة زغاريد الخادمات في التليفون فأحست قلبها يزغرد معهن، وهكذا ملأت السعادة جوانح حميدة؛ فقد عبرت هذه الزغاريد عن كثير من خلجات الفرح التي يدق بها فؤادها.
ولم تمض ساعات حتى جاءتها أختها وجيدة وابنتها هناء ومعهما صناديق من الحلوى، وأقبلت الكثيرات من صديقاتها يحملن أيضا ما يجاملن به حميدة صديقتهن الطيبة الحبيبة إليهن بخلقها السلس وصداقتها الحنون الخالصة بلا شوائب؛ فقد كن يحملن لها الود الصادق وإن كانت منهن من تكن لها بعض الحسد على الغنى الفاحش الذي أصابه زوجها، إلا أن أولئك كن يجهدن غاية الجهد أن يخفين حسدهن حتى كن يبدين أكثر حبا لها من المخلصات اللواتي لا يحملن لها إلا الحب الخالص الكريم.
ولم يسكت التليفون عن الرنين ممن لا يستطعن المجيء يقدمن التهنئة ويسعدن بالزيارة في الغد.
وطال بالسيدات الحديث حتى أوشك موعد العشاء أن يحين، فبدأن في الانصراف ولم يبق إلا وجيدة وابنتها هناء فقد بقيتا قليلا، ثم قالت وجيدة: نقوم أنا وهناء فإننا الليلة سنحتفل بالنجاح، وقد أعددت وليمة، إذا كان هارون سيتأخر فلماذا لا تأتي معنا يا حميدة؟ - هارون فعلا سيتأخر وكذلك شهاب، ولكني أعتقد أن فائق في طريقه الينا وسأكرمه بعشاء فاخر.
وقبل أن تكمل جملتها دخل فائق وسعادة الدنيا كلها في وجهه وعينيه، واستقبلته خالته وهناء بالتهليل، وحين استقر بهم المجلس قالت هناء: هذه الفرحة الكبرى التي في وجهك وعينيك فرحة النجاح وحده؟ - أليس التخرج جديرا بهذا؟ ألم تفرحي أنت بالتخرج؟ - أنا كنت واثقة، وكل ما كان يهمني هو درجة التخرج. - جيد. - خسئت، بل جيد جدا. - ومن سمعك وشرفك أنا أيضا، بل وشهاب أيضا. ما درجة أيمن؟ - جيد. - نعمة. - ولكني ما زلت مصرة أن في عينيك مع فرح النجاح فرحا آخر. - ما سر إصرارك هذا؟ - أنا وأنت كنا ننال تقديرا في جميع سنوات الدراسة، فنجاحنا بدرجة جيد جدا أمر متوقع، وهذه السعادة التي تتناثر حولك وراءها سر آخر. - ولماذا تحاولين أن تكشفي أسراري؟ - فضول المرأة. - ألا يرده اقتران الليسانس بدرجة جيد جدا؟ - تظل المرأة هي المرأة. - ولن أشفي فضولك هذا. - ما تلبث الأسرار أن تنكشف وتذيع وتصبح على كل لسان، والذي لا يشتري يتفرج. - انتظري حتى تشتري وتتفرجي. - ألا تنال ابنة خالتك حق السبق؟ - كأنك نلت الليسانس في الصحافة. - والمحامية أيضا تبحث عن الحقيقة. - لقد بدأت الممارسة مبكرة جدا.
وقاطعتها وجيدة: كعادتكما لا ينتهي لكما نقاش، قومي يا بنت.
وقامت هناء: أيقال للجيد جدا يا بنت؟ - وإن أصبحت رئيسة النقض أنت عندي بنت. هيا حتى لا نتأخر عن أبيك وأخيك.
وقامتا.
অজানা পৃষ্ঠা