فهتفت بحنق: هل عملت حسابا للأولاد قبل أن تفعل فعلتك؟
فقال بمسكنة: إني أمر بمحنة وأنت عقل كبير ولكني لن أفرط في بيتي!
وجدت نفسها وحيدة مع فكرتها، وفضلا عن ذلك فلم يكن الطلاق بيدها، وأخيرا قال لها محمد: رجائي أن تؤجلي البت في الموضوع شهرا!
فمنحها حلا تداري به هزيمتها. وسافر سليمان بهجت إلى المغرب لحضور مؤتمر زراعي على مستوى البلاد العربية. ولما رجع إلى العباسية وجد منيرة قد جعلت من حجرة مكتبها مكتبة وحجرة نوم فأضافت إلى ركن منها كنبة تتحول إلى فراش عند اللزوم فاطمأن إلى أنها عدلت عن التشبث بالطلاق وإن قررت أن تنفذه في الواقع. وشعر في أعماقه بارتياح خفي فانطلق من أريحية مباغتة يقول: أنت أنت، وكما كنت مذ ربط بيننا الحب.
كرهت محادثته كما كرهت النظر إليه. كانت تعاني أتعس لحظات حياتها؛ اندفن حبها تحت ركام من الحنق والغيرة والإحساس الأليم بالغدر، وغرقت في حوار طويل مع نفسها المحمومة؛ إنها تستحق أضعاف ما حاق بها جزاء حبها لرجل تافه. قد تعذر على حبها في سن باكرة ولكنها نضجت فلم تتلاش الغشاوة عن عينيها، بل نضج الحب أيضا وتفاقم خطره. واغتفر الحب عيوبه، فقبله رغم أنه ما هو إلا حيوان جميل، بلا عقل ولا روح، يحركه الطمع والمنفعة الرخيصة. وما حبها إلا شهادة ضدها، ملأ القلب دون أن تزحمه قطرة واحدة من الاحترام. هل يصح أن تهيمن على حياتنا قوة عمياء لا معقولة تزري بما حصلناه من ثقافة وحضارة؟! إنه مخجل بقدر ما هو حقيقة واقعة؛ على ذاك فعقابي دون ما أستحق، وغمغمت بعذاب: غجرية، لا ناظرة ولا مربية!
فلتقتلع من الآن فصاعدا جذور الحب من قلبها الضال، ولتكن مثل أمها في الكبرياء فلا ترضى بمنافسة امرأة دونها. وقد قرأت لها أم سيد الفنجان وقالت وهي تقرب عينيها الضعيفتين من جوفه: بعد الشدة يجيء الفرج.
واقترحت حيلا من السحر والرقى وزيارة بعض الأضرحة المشهود لها بالفاعلية فابتسمت بمرارة ولم تنبس. وقالت لنفسها: لا دواء للغدر إلا الرفض.
على أي حال برئت من مطاردة القلق الوحشية، وتحررت من إلزام نفسها ما لا يلزم - تشبثا بذيول جمالها - من رجيم قاس وزينة مبالغ فيها. الآن تستطيع أن تهب نفسها خالصة لعملها الجاد وابنيها الواعدين، متأسية بأخيها محمد في صبره وعزيمته وإيمانه. أما أمين وعلي فعلى دهشتهما لم يدركا أبعاد المأساة. كانت علاقتهما بأبيهما ودية وسطحية بخلاف أمهما المربية والمرشدة والصديقة. وقال أمين لعلي: بابا أخطأ.
فقال علي: وأساء لماما!
وكلما ظهرت زاهية في التلفزيون تفرسا فيها باهتمام وفضول وحنق. وقال أمين لنفسه: بابا يتزوج للمرة الثانية أما أنا ففقدت سهام إلى الأبد:
অজানা পৃষ্ঠা