আধুনিক বালাঘা ও আরবি ভাষা
البلاغة العصرية واللغة العربية
জনগুলি
ثم اعتبار آخر يجب أن نلتفت إليه، وهو أننا ورثنا كلمات كانت قبل ألف سنة تعبر عن حاجات المجتمع العربي في بغداد، أو مصر، أو دمشق، وهذا المجتمع كان أتوقراطيا أرستقراطيا؛ فورثنا كلماته الأتوقراطية والأرستقراطية مع أننا نحاول أن نكون مجتمعا ديمقراطيا، ونحن نتأثر بهذه الكلمات ونستضر بها؛ لأنها توجهنا إلى غير ما نحب من الوجهات، كما نغرس في شبابنا عواطف نكره أن نراها في القرن العشرين. فانظر مثلا إلى إيحاء كلمة «وزير» في مصر بجانب إيحاء كلمه «سكرتير» في بريطانيا، أو الولايات المتحدة، وانظر إلى إيحاء عبارات «صاحب الدولة»، «صاحب السعادة»، صاحب العزة؛ فإنها جميعا تفتت العقائد الديمقراطية التي تقول بالمساواة الاجتماعية، أو انظر إلى كلمة «حضرة» التي لا يمكن ترجمتها إلى أي لغة أوروبية؛ (ولكن يمكن ترجمتها إلى اللغة الصينية القديمة).
ثم انظر إلى ما ورثنا من المجتمع العربي القديم بشأن المرأة؛ فقد ألغى هذا المجتمع المرأة من الحياة الاجتماعية إلغاء يكاد يكون تاما أما نحن فقد رددنا الاعتبار للمرأة المصرية، ولكن ما زلنا نستعمل الكلمات القديمة، فنقول «أم فلان» أو «حرم فلان»، ولا نذكر الاسم مع أن الاسم جزء من الشخصية، وإهماله هو سبة للمرأة ألا ترى كيف أن أحدنا يغتاظ إذا أخطأ أحد في ذكر اسمه فقال: «علي حسين» بدلا من الاسم الحقيقي «حسين علي»؟ وهذا لأن كلا منهم يحس أن اسمه من كرامته، وهو بعض شخصيته، وإهمالنا لاسم المرأة هو تراث لغوي قديم يحمل إلينا عقيدة اجتماعية يجب أن نكافحها، فيجب أن نؤلف بين المجتمع ولغته فنجعل اللغة ديمقراطية إن شئنا أن نكون مجتمعا ديمقراطيا.
الفصل السابع
الأحافير اللغوية
أحافير الحيوان والنبات هي الأجسام المتحجرة التي مضى عليها الألوف أو ملايين السنين ونحن نستخرجها من باطن الأرض ونحفظها في المتاحف؛ كي نعرف منها تطور الحياة، ولا يمكن أن نرد الحياة إلى هذه الأحافير؛ لأن الحياة قد أبادتها وارتقت عليها، وأخرجت لنا أنواعا أخرى، وهذه الأحافير كانت في يوم ما من تاريخ الأرض حية، ولكن سنة التطور قضت عليها بالانقراض.
وفي اللغات أحافير من الكلمات التي لا تجري على لسان أو قلم، ولكن المعاجم تحتفظ بها للدراسة كما تحتفظ المتاحف بأحافير الدينصور أو غيره، فإذا عمد كاتب إلى استخراجها وبعث الحياة فيها فإنه لن يصل من هذا المجهود إلا إلى تكليف المجتمع عبئا لا ينتفع به، فالإنسان القديم كان يعتقد أن عالمه حافل بالآلهة، والأرواح الظاهرة والنجسة، وأن حياته مدبرة بها للخير، أو الشر، وكان ينشد حظه في النجوم والكواكب ويتيمن بحركة الطير أو يتشاءم بها، وكان راضيا بهذا العالم، يجد فيه منطقا للسلوك الحسن، فكان يستعمل الكلمات التي تؤدي له هذه المعاني، وقد نبذنا نحن هذه العقائد، ولكن بقيت هذه الكلمات الغيبية القديمة التي نستعملها؛ فتفسد أذهننا حتى إننا من وقت لآخر نقرأ عمن يخاطبون الأرواح، أو يقرءون طالعنا في النجوم، وما زلنا نتفاءل أو نتشاءم من حادث أو كلمة، ومازال للعفاريت والجن والنجوم سلطان على بعض النفوس التي لا تستطيع أن تتخلص من هذه الأحافير اللغوية؛ وذلك لأن الطفل ينشأ وهو يستمع إلى الكلمات؛ فتغرس فيه عقائد يعجز عن التخلص منها حتى وهو في الخمسين أو الستين من عمره.
وأحيانا نجد رجلا ممتازا في العلوم التجريبية قد درب ذهنه على تحري الحقائق المادية، ينزع إلى الإيمان ببعض الغيبيات، وكل ما عنده كلمة مثل «روح» يحملها ويجري بها وراء المشعوذين الذين يبحثون له عنها تحت المائدة، أو على ألسنة الدجاجلة الذين يستغلون تصديقه، وهو إنما ينزع إلى هذه الغيبيات بفضل كلمة أو كلمات تعلمها في الصغر؛ فغرست فيه عادات ذهنية لم يعد قادرا على التخلص منها ولكن الأحافير اللغوية لا تقتصر على ما ورثنا من كلمات، مثل الجن أو العفاريت أو الأرواح؛ فإنها تتسرب إلى لغتنا المألوفة، وحتى لنقول: «علا نجمه» أو «أفل نجمه» أو نحو ذلك، ونحتاج إلى شرح مسهب؛ كي ننقل المعنى العصري لصبياننا بهذه التعابير القديمة التي كانت حية أيام الفراعنة أو البابليين، وما دمنا نشرحها الشرح العلمي ونبين للصبي أن العقيدة القديمة كانت مخطئة، وأننا لا نرمي من هذا التعبير إلا إلى معنى النجاح والرقي أو العكس؛ فإن كل الضرر ينحصر عندئذ فيما نتكلف من شرح ولكن قد يكون لهذا التعبير مع ذلك فائدة للصبي حين يعرف منه عقائد القدماء البائدة.
ولكن هناك أحافير لغوية كبيرة الضرر على مجتمعنا، ومن أسوأها في مصر في عصرنا هاتان الكلمتان: «شرق، وغرب» فإن كلمة شرق توحي إلينا أننا بشر ننتمي إلى آسيا، وأفريقيا وكأننا على عداء مع أوروبا وأمريكا. ولما كان الأوروبيون والأمريكيون هم المتمدنون السائدون في العالم؛ فإن عداءنا يغرس في نفوسنا كراهية للتمدن وعادات المتمدنين ومعظم المقاومة التي للقبعة، بل كلها تقريبا يرجع إلى هذه الكلمة «شرق»؛ لأن المصري يحس أن الشخصية القومية الشرقية تنهار باتخاذ القبعة التي تمتاز بها الشخصية القومية الغربية.
وكلمات الغيبيات توحي عقائد غيبية تعين للمؤمن بها سلوكا يتنافى مع المنطق، ويؤخر عن تحقيق النجاح، وكثيرا ما يقعد أحدنا في «الترام»، فيجد جاره وهو يتلو كلمات غيبية؛ يريد أن يحقق بها غاية اجتماعية، أو اقتصادية فبدلا من أن يعمد إلى المنطق؛ فيدبر الوسائل المادية، والشخصية يتلو هذه الكلمات، وكأنه (كما كان يفعل البابليون) يستوحي النجاح من النجوم، والكواكب.
ومن الأحافير اللغوية كلمات «الدم»، و«الثأر»، و«العرض» في بعض مديريات الصعيد؛ فإن هذه الكلمات تؤدي إلى قتل نحو «ثلاثمائة» امرأة، ورجل كل عام ولا بد أن بعض القراء سيثب إلى القول: بأن هؤلاء القتلة يذودون عن شرفهم. وكل ما أستطيع أن أرد به هو: أن سكان الوجه البحري لا يقتلون مثل هذا العدد من الرجال والنساء؛ لأجل «العرض»، و«الثأر»، فإما أن السبب أنهم لا يستعملون هاتين الكلمتين في حديثهم كما يفعل أهل الصعيد، وإما أنهم أقل إجراما بطبيعتهم، والفرض الأول هو المعقول.
অজানা পৃষ্ঠা