আধুনিক বালাঘা ও আরবি ভাষা
البلاغة العصرية واللغة العربية
জনগুলি
ومنذ نولد يتسلط المجتمع علينا بالكلمات التي نتلقنها منه؛ فننشأ وقد فرضت علينا مقاييس اجتماعية، وأخلاقية، وروحية من هذه الكلمات، ونجد أننا نسلك سلوكا معينا بما غرسته هذه الكلمات في أذهاننا من القيم، ونحن في هذا السلوك نعتقد أننا أحرار، ولكن الواقع أننا مقيدون بهذه الكلمات التي بعثت في أنفسنا انفعالات، وأكسبت أذهاننا فيما لا مفر لنا من التسليم بها؛ لأن هذه الكلمات قد تعلمناها من الصغر حين لم يكن الذهن قد نضج وتدرب على التساؤل، والنقد.
فنحن نسلم تسليما أعمى ولا نعترض على المعنى الذي تفرضه علينا الكلمة فنحن نقول: التشاؤم، والسماء، والروح، والحياة، والشرف، والوطن، والشجاعة إلخ، ولم يقف أحدنا قط ويسأل: ما هذه الأشياء؟ لأن جميع هذه الكلمات تحدث في أنفسنا انفعالا نظن أنه طبيعي لا يحتاج إلى التساؤل، أو اتخذت مقاييس ذهنية نعيش بها ونسلك في حياتنا على مقتضاها.
ونظن حين نستعمل هذه الكلمات أننا نفكر، والحقيقة أن التفكير هنا في حدود هذه الكلمات لا يتجاوزها، بل الواقع أننا لو شرعنا في التفكير السديد المحكم في إحدى هذه الكلمات؛ لهاج علينا المجتمع؛ وذلك أن هذا المجتمع قد ورث هذه الكلمات، وانتظم بمعانيها فهو يأبى على الفرد أن يستقل ويفكر منفصلا عنه؛ لأن هذا التفكير هو عندئذ هجوم على هذا المجتمع؛ أي: على عقائده، وعاداته الذهنية، وعواطفه النفسية، ولكل منا مجتمعه الذي يتأثر به، ويفهم معاني الكلمات كما اكتسبها منه فكلمة الشجاعة مثلا تحمل طائفة من المعاني تختلف باختلاف المجتمعات.
فالشاب في حلبة لمصارعة في ناد رياضي يفهم من الشجاعة معنى خاصا، والجندي في الجيش يفهم من هذه الكلمة معنى خاصا آخر يختلف عن المعنى الأول، وحين أقول: «شجاعة الأسد» التي تختلف أيضا عن المعنى الذي أقصده حين أقول: «شجاعة شهداء المسيحية»، أفهم معنى يختلف عما أعني حين أقول: «شجاعة سقراط»، ثم لا تنس شجاعة اللص الذي نشأ في عصابة تفتك وتغتال، ثم شجاعة ذلك الفيلسوف الذي يرفض القتال، ويرضى بالاعتقال؛ لأنه «عالمي»، ثم شجاعة الكاتب الذي لا يبالي الرأي العام إلخ.
والكلمات بذلك لا تكسبنا اتجاها أخلاقيا على «المستوى الذهني» فقط، بل تكسبنا أيضا اتجاها مزاجيا على «المستوى العاطفي»؛ فإن كثيرا مما نشمئز منه، أو نطرب له، أو ننشط إليه يعود إلى الكلمات التي تعلمنا وانغرست بها عواطفنا. وحسب القارئ أن أذكر له أن كثيرا من الرجال والسيدات في مصر يشمئزون من «الأنكليس» مع أنه مثل سائر السمك، بل يعد من أجوده؛ وذلك لأنه يسمى «ثعبان»، بل انظر إلى كلمة «بجعة» فإنها اسم شنيع لطائر يعد تحفة في الطيور؛ ولذلك لم يستطع شاعر عربي أن يستغل الطاقة الفنية في هذا الطائر؛ لشناعة اسمه مع أن اسمه في الإنجليزية والفرنسية جعل كثيرا من الشعراء الإنجليز والفرنسيين يذكرونه في أشعارهم، وكذلك يجب أن نذكر أن كثيرا من شعرائنا يذكرون «البلبل» بكثرة؛ لحلاوة اسمه فقط مع أنهم لم يروه قط ومع أنه ليس فيه شيء من جمال البجع.
وهنا لنا عبرة فإذا شئنا أن نعمم رأيا أو عقيدة؛ فلنختر لها اسما مغناطيسيا جذابا.
والخلاصة أننا نفكر بالكلمات، وكثيرا ما نخدع فنظن أننا نعالج الأشياء في حين أننا نعالج أسماءها فقط، ثم إن الكلمات تكسبنا اتجاها أخلاقيا، أو تكون لنا مزاجا فنيا، وأحيانا تحمل إلينا تقاليد هي رواسب الثقافة القديمة التي كثيرا ما تضرنا في مجتمعنا العصري، والفصول القادمة هي توسع في هذه المعاني.
الفصل الخامس
البيئة واللغة
الأصل في هذا الكتاب مقال نشره الأستاذ أحمد أمين في مجلة «الثقافة»، أشار فيه إلى أن الكلمات تتغير معانيها بتغير الزمن والبيئة، وجاء فيه:
অজানা পৃষ্ঠা