বাকাইয়্যাত
بكائيات: ست دمعات على نفس عربية
জনগুলি
ضحك السيد فجأة. لم تأت الضحكة من فمه، بل راحت تنتشر في كل أعضائه، فتهتز وتتمايل وتعلو وتهبط كالقارب الذي تجرجره موجة هادرة. نظر إلي وفي عينيه وميض الشفقة والحب، والتفت إليهم كأنه يستأنف كلامه: لا تنسوا، وهو رسول العمل الحر.
وقفوا خاشعين، خفضوا رءوسهم، وأخذوا يهزونها في خضوع كالرهبان الصغار أمام الكاهن الأكبر. قال كبيرهم: نصدع للأمر، نصدع للأمر.
وقف السيد على الصخرة كالقائد الذي يصدر أوامره بالزحف، سطعت جبهته الشامخة في ضوء الشمس، واحمر وجهه كالشارب النشوان، وأخذ يشير بذراعه الممدودة إلى الأمام والخلف: هيا للعمل الحر، وأقيموا الأرض الحرة كي يحيا فيها شعب حر. هيا الآن وقبل فوات العمر، فالحرية يغزوها إنسان حر، يعمل ويغني في كل مكان يزرع شجر الخير. شقوا الأرض هناك، اسقوها حتى تخضر، والأكواخ البائسة أمام البحر، يسكنها نمل أغبر وجراد مصفر، ابنوا في موضعها المعمل والساحة والقصر.
قال كبيرهم مستفسرا: هل تبني الكلمة وتعمر؟ ماذا تقصد؟
قال في حماس: لتكن الكلمة عونا للعمل الحر. هيا انتزعوا من قبضة هذا البحر أرضا ينمو فيها الزرع، ويعبق فيها الزهر. شق قناة يجري فيها ماء النهر، كي يسقي الأرض الظامئة، فتلهج بالشكر، أو يطعم شعب محروما عذبه الفقر. شق قناة في هذا القفر، ليس كثيرا من رجل الفكر. هيا هيا، شقوا الأرض، أزيحوا الصخر، حان الوقت لأمضي.
قلت: ألا تبقى معنا؟
التفت إلي في حنان ووضع يده على كتفي: أما أنت فغير نفسك، واحمل قلمك في الحال، كما تحمل فأسك. بدأ طريقك فأتم الرحلة، وتحدد قدرك فاسلك سبله.
أمسك بالقلم وأمسك بالكأس
ذهب السيد كما جاء، لم نعرف إلى أين، كما لم نعرف من أين أخذنا نتطلع إليه، وهو يخطو فوق الصخور كفارس غريب امتطى صهوة الريح والجبال والسحاب. أخذ السود الستة يتابعونه بأبصارهم، كرجال الفلك الذين يرصدون كوكبا سطع في السماء، ثم اختفى. رحت أنظر إليه كأني أنظر في نفسي. لا بد أن أجيال البشر قد عاشت وتناسلت وبنت وخربت وتحملت؛ كي تغذي جنينا في أحشائها، وتنميه وتربيه، وتصبر على المخاض مئات السنين لكي يهبط أرضنا الكئيبة، ويسطع في سمائنا مثل كوكب رحيم يعرف كل شيء، ويغفر كل شيء، ويعطي المثل الأصغر للأبدي الحي الفعال على نول الزمن الأزلي. ظهرت كواكب عديدة مثله في سمائي وسماء الناس. أحببت كثيرا منهم، وتعلمت على أيديهم، منهم أعمى مجدور الوجه، شعت منه ألسنة اللهب الحارق بالثورة والصدق، منهم من يسبح في الآخرة، ومنهم من غاص بأعماق الطين، من ثار وفار وحطم عصره، من عكف على هندسة الكون وترتيبه، من غنى وحده، أو عزف على قيثارة الحلم ومدن الغد، من أضحكني في ليل الصمت ، من أبكاني، زرع بنفسي شجر الموت، من أحياني في صحبته فسئمت صحابي، أهلي، جيراني ، لكن هذا النور المنسجم الهادئ ...
انتبهت لصوت الناي في يترقرق حنان لم أعهده، لا بد أنني جبت متاهتي على رنينه الشجي. كان الصبي يعزف تلك الأغنية التي أنشدها للسيد، وصاحبت وقع حركاته وسكناته، حتى خلت أنه يتبع الشبح المتلاشي بروحه، أو يحاول أن يسترجعه بحنين شكواه. ولا بد أنه لم ينس وجود الستة بعيونهم السود وستراتهم السوداء وحقائبهم السود، يقفون هناك يشيعون صورته الغائبة، كما يشيع اللحادون جثة كبير سمعوا عنه، وأدوا نحوه مراسيم الواجب، واستراحوا منه. - هيا للعمل.
অজানা পৃষ্ঠা