149

ভূমধ্যসাগর: একটি সমুদ্রের গল্প

البحر المتوسط: مصاير بحر

জনগুলি

حان وقت زوال القسطنطينية، وإذا ما وجدت إمبراطورية في بلاد البحر المتوسط أضاعت سلطانها نتيجة لانحطاط أسطولها كانت تلك الإمبراطورية بزنطة التي بدت ذات طيش في عيشها والتي صارت كثيرة الاطمئنان إلى نفسها.

ولم يزل آل كومنين في القرن الحادي عشر والقرن الثاني عشر أصحاب بلاط كثير الترف غافلين عن السلامة الحقيقية منهمكين في أمور الجمال والطقوس فقط. وبينما كان كثير من الفرسان والأمراء والشعراء والسحرة يتدفقون في هذه المدينة التي ظهرت أجمل مدن العالم ليشتركوا في أعياد تجدد دوما أو ليثروا أو ليعرضوا غناهم، كانت ريح البحر تأتي بأخطار متزايدة من كل ناحية، وكانت تهدد هذه المدينة الإمبراطورية أساطيل وجيوش، ومن الجنوب غلب كتائب الإمبراطور المغامر النورماني والجالب مقاتلين وقراصين ضد بزنطة، روبرت غسكار، ومن الشرق هدد الترك بحر إيجه، ومن الشمال هدد المضايق بجناحهم قوم البلغار الذين انتحلوا النصرانية حديثا وبلغوا البحر الأدرياتي، ومن الغرب كانت سلطة البندقية القوية تزيد أسطولها.

وتغير كل شيء منذ حرم العرب أوروبة سفنا مملوءة بر آسية وأفريقية مكرهين أمم أوروبة على زراعة الأرضين بنفسها، وما كانت بزنطة لتستطيع إنقاذ نفسها إلا بعزمها على إنشاء أسطول قوي جديد مشابه للأسطول الذي جمعته رومة ضد قرطاجة، والفارق هو أن رومة كانت جمهورية في دور الارتقاء وأن بزنطة كانت إمبراطورية بهرج ذات سفن راسية في القرن الذهبي مغطاة بالديباج خافقة الأعلام على صوت الأبواق، وكان يلوح بعث روح الجمهورية في البندقية مع عبقرية تجارية قوية غير مسبوقة، وذلك إلى أن إمبراطور بزنطة، الذي كان أغنى من في العالم والذي كانت بناته تطلب للزواج بأباطرة الألمان، صار يعطي البندقية والبلغار جزية وأصبح وضعه يزيد سوءا في كل جيل، ولما استولى ألوف الصليبيين على القسطنطينية وانصرفوا من غير أن يؤدوا ما عليهم ثار الشعب، وتحاك مؤامرات وتقع اغتيالات، ولم يكن لدى إمبراطور بزنطة، إسحق الثاني، الذي أمضى هو وزميله النصراني بارباروس معاهدة، خيار غير مصالحة سلطان الكافرين صلاح الدين سرا مع محاربة كلا الإمبراطورين إياه.

وفي الغرب، برومة، وحد إمبراطور ألماني، وحد ابن بارباروس، إيطالية للمرة الأولى، وقد تزوج أميرة صقلية ، وهكذا أخذ يحقق الحلم الألماني حول السيادة العالمية للمرة الأولى، وهنالك تحمل خزانة تاج نورماندية على ظهر البغال من خلال جبال الألب وفي فصل الشتاء، وذلك رمزا إلى أن وارث قصر هوهنشتاوفن الألماني بسط سلطانه من البحر البلطي إلى الشاطئ الشمالي الأفريقي، والواقع أن سيطرة الجرمان على البحر المتوسط صارت حقيقة، ولم يبق لتمام الصورة غير حملة حربية شبيهة بحملة الإسكندر، وكان الألمان يحيطون بالبابا إينوسان الثالث الأكبر، فأبصر هذا البابا أن من عدل الرب موت الإمبراطور الألماني فجأة حينما كان يتسلح إيقادا لنار حربه العالمية.

بيد أنه كان يقبض على زمام الحكم في البندقية بين جميع أولئك رجل في الثمانين من عمره حديدي الأخلاق، واسم هذا الرجل هو أنريكو دندولو الذي كان من قوة العزم ما هيأ معه مصير القسطنطينية في جميع حياته، والآن يحل وقت الضرب، فلما بدا جيش الصليبيين غير ذي مال للذهاب بحرا أنبأه بإمكان نقله على أن تدفع أجرة النقل من غنائم الغزو، وكان هذا الشيخ الحامل قلبا فتيا دوما يعلم أن مثل هذه الغنائم لا يكون في فلسطين، بل في بزنطة، وهكذا كان يرى أن يتمكن من منافسيه الكبيرين، إمبراطور ألمانية وبطرك القسطنطينية، فيجمع النصرانية تحت وصاية أسقف رومة ويغدو صانع ملوك وصيرفي البحر المتوسط.

ويوفق في خطته، وذلك أن بزنطة، التي حاول الهياطلة والمجر والقوط والعرب في قرون كثيرة فتحها على غير جدوى سقطت في نهاية الأمر مع أسوارها المنيعة ونارها اليونانية، وذلك بضربات الصليبيين الذين همزتهم البندقية، لا بفعل جيش وثني من البرابرة، وقد ختمت هذه الحملة الصليبية حتى قبل بدئها، وقد انتهى كل شيء في سنة 1204 بعد حصار دام عاما تقريبا، وقد تداعت عاصمة الدنيا بين اللهيب والدم والقتل.

ويقول الرئيس البندقي الغالب للإمبراطور ألكسيس صارخا: «من الوحل أخرجناك وفي الوحل نقذفك يا مسكين!» ويخنق الإمبراطور في السجن، ويبيد الفاتحون الأتقياء جميع الأوابد القديمة التي جمعت في بزنطة في سبعة قرون، ولم ينقذ شيء تقريبا، وذلك خلا أربعة أحصنة من برونز يوناني تزين اليوم قبة كنيسة مار مرقص، وأعجب ما في الأمر أن البندقية هي المدينة الوحيدة التي لا تجد فيها خيلا.

ومع ذلك طلب الرئيس البندقي المتعطش إلى الانتقام أكثر من أربعة أحصنة، فزاد حصته من الغنيمة التي كانت ثلاثة أثمان في بدء الأمر فاحتفظ بثلاثة أرباع الإمبراطورية البزنطية فيما بعد، وقد أوجب أيضا احتلال جميع المرافئ المهمة وجزر بحر إيجه والجزيرتين: أقريطش وأوبه، وهو لم يترك للفرنج، (وبالفرنج كان يعبر عن جميع الشعوب الجرمانية) غير فتات من هذه الوليمة الملكية، وذلك مع محافظة بزنطة على لقب الإمبراطورية الذي قضت به شبه حياة مدة قرنين آخرين.

ختمت الحروب الصليبية مع الحبوط، ولم يقتصر الأمر على عدم احتلال الشرق من قبل النصارى، بل حدث العكس بغزو الإسلام للغرب عندما استولى الترك العثمانيون على حوض الدانوب، ولم تقدر النصرانية ولا سلطان أوروبة على النصر في آسية، ومع ذلك وجدت التجارة لنفسها مستعمرات ومنافذ رائعة، وصارت العلوم والفنون الحربية والملاحة تتقدم بما لم يعرف منذ زمن الأغارقة، وظهرت فرنسة والبابا على رأس الحضارة والتجارة، وأسفر الشعر والفن الشرقيان اللذان وصلا إلى الغرب عن كنوز لا تحصى.

ولكن دولة خيالية ظهرت من البحر المتوسط في أثناء الحروب الصليبية وبعدها كولادة أفروديت: ظهرت البندقية.

অজানা পৃষ্ঠা