"لا تظنوا بالمؤمن إلا خيرًا". والدليل على صحة هذا أنا نجد هذا الكتاب يتداوله العلماء وقبلوه، ولم يصر أبترًا ولا أقطعًا، يدل على أن المزني كان قد امتثل أمره ﷺ.
الثاني: أن المراد بحمد الله ذكرًا لله تعالى، وقد روي: "لم يبدأ فيه بذكر الله فهو أبتر". رواه الأوزاعي. وقد ذكرا لله ﷿ بأحسن الذكر، وهو قوله: ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ فإنها أفضل آيات القرآن.
الثالث: القصد بالتحميد ذكر الله تعالى، ويقوم بعض الذكر مقام البعض كما قال صلى الله وعليه وسلم: "يقول الله تعالى: ﴿من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين﴾. فكذلك هاهنا تقوم التسمية مقامه.
الرابع: المزني اقتدى برسول الله ﷺ في ذلك، وذلك أنه اكتفي في كتبه إلى الملوك ودعوته إياهم إلى الإسلام بالتسمية، وكذلك كتب الصلح التي كتبها هو ومن بعده من الصحابة لأهل البلاد، ولا التحميد.
الخامس: أنه وجد له في بعض النسخ خطبة قال فيها: الحمد لله الذي لا شريك له في ملكه، ولا مثل له، الذي هو كما وصف نفسه، فوق ما يصف خلقه، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، فحذف ذلك بعض الناقلين.
والسادس: أراد بالخبر الخطبة؛ لأن أعرابيًا خطب فترك التحميد، فقال النبي [٦ ب/ ١] ﷺ هذا، والذي يدل على هذا أن أول ما أنزل من كتاب الله تعالى قوله: ﴿اقْرَا بِاَسْمِ رَبِّكَ﴾ [العلق: ١]، وقيل: ﴿يَأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ﴾ [المدثر: ١]، وليس في ابتدائها حمد الله تعالى.
والسابع: أن المزني ناقل ما هو مبتدي، ورواة الحديث لا يؤاخذون بأن لا يذكروا حمدًا وثناء كلما بدأو بالزاوية.
فإن قيل: فإذًا هذا السلوك يلزم الشافعي؛ لأنه صنف كتبًا لم يبدأ فيها بحمد الله. قيل: كتبه كلها كتاب واحد، وهو كتاب الفقه، وقد حمد الله تعالى في أول هذا الكتاب بأحسن تحميد، فقال: الحمد لله الذي خلق السموات والأرض، وجعل الظلمات والنور، ثم الذين كفروا بربهم يعدلون الحمد لله الذي مؤدى بشكر نعمة من نعمه إلا بنعمة منه توجب على مؤدي شكر ما مضى نعمة بأدائه نعمة حادثة يجب عليه شكره بها، ولا يبلغ الواصفون عنه عظمته الذي هو كما وصف نفسه، وفوق ما يصفه به خلقه، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، إلى أن قال: وصلى الله على محمد عدد ما ذكر الذاكرون، وسها عن ذكره الغافلون. ورؤى الشافعي ﵀ في المنام
1 / 26