قال: "من سئل عن علم فكتمه ألجمه الله بلجام من نار يوم القيامة". وهذا في العلم الذي يلزمه تعليمه إياه ويتعين عليه فرضه.
وأيضًا روي عن عبد الله بن عمرو أنه قال: كنت أكتب كل شيء أسمعه من رسول الله ﷺ أريد حفظه فنهتني قريش، وقالوا: تكتب كل شيء ورسوله ﷺ بشر يتكلم في حال [٢ ب/ ١] الغضب والرضا، فأمسكت عن الكتابة، فذكرت ذلك لرسول الله ﷺ فأومأ إلى فيه، فقال: "أكتب فوالذي نفسي بيده ما خرج منه إلا حق".
فإن قيل: روى المطلب بن عبد الله بن حنطب، أن زيد بن ثابت دخل على معاوية فسأله عن حديث، فأخبره، فأمر إنسانًا فكتبه، فقال له زيد بن ثابت: إن رسول الله ﷺ أمر أن لا نكتب شيئًا من حديثه فمحاه. قيل: يحتمل أن يكون النهي متقدمًا وآخر الأمرين الإباحة. وقيل: إنما نهى أن يكتب الحديث مع القرآن في صحيفة واحدة لئلا يختلط به فيشتبه على القارئ وهذا لأن النبي ﷺ أمر أمته بالتبليغ، وقال: "ليبلغ الشاهد الغائب".
وروى زيد بن ثابت أن النبي ﷺ قال: "نضر الله أمر أسمع منا حديثًا فحفظه حتى يبلغه، فرب حامل فقه ليس بفقيه". فإذا لم يقيدوا ما يسمعونه بالكتابة يتعذر التبليغ فلا يؤمن من ذهاب العلم، لأن النسيان من طبع أكثر البشر، وقد قال رسول الله ﷺ، لرجل شكا إليه سوء الحفظ: "استعن بيمينك" وقوله: (نضر الله): معناه: الدعاء بالنضاره وهي النعمة والبهجة، ويقال: نضر الله بالتخفيف والتثقيل، وأجودهما [٣ أ/ ١] التخفيف، وفي هذا الخبر بيان أن الفقه هو الاستنباط، والاستدراك لمعاني الكلام، وفي ضمنه وجوب
النفقة والحث على استنباط معاني الحديث.
فإذا تقرر هذا، فاعلم أن العلم كبير والعمر قصير، فالأولى لمن طلب العلم بعد التوحيد أن يشتغل بالأحسن منه والأولى، وهو التفقه في الدين، لما روى أن النبي ﷺ قال: "من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين". وروى أنه ﷺ قال: "لفقيه واحد أشد على الشيطان من ألف عابد".
1 / 22