ثم قال تعالى: وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ قال القتبي: أشفى على كذا إذا أشرف عليه شَفا حُفْرَةٍ، أي حرف حفرة، ومعناه وكنتم في الجاهلية على هلاك بالشرك من مات في الجاهلية كان في النار فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها بعد ما كنتم على حرف من النار كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ يعني علاماته حيث كنتم أعداء في الجاهلية إخوانًا في الإسلام لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ أي لكي تهتدوا من الضلالة، وتعرفوا علامته بهذه النعمة وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ فهذه لام الأمر كقوله: فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحًا [الكهف: ١١٠] يعني لتكن منكم أمة.
قال الكلبي: يعني جماعة. وقال مقاتل: يعني عصبة وقال الزجاج ولتكونوا كلكم أمة واحدة تدعون إلى الخير ومن هاهنا لتخص المخاطبين من بين سائر الأجناس، وهي مؤكدة كقوله تعالى: فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ [الحج: ٣٠] وقوله: يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ يعني إلى الإسلام. ويقال: إلى جميع الخيرات وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ قال الكلبي: يعني باتباع محمد ﷺ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ يعني الجبت والطاغوت. ويقال: المنكر، يعني العمل الذي بخلاف الكتاب والسنة. ويقال: ما لا يصلح في العقل.
وروي عن سفيان الثوري أنه قال إنما يجب النهي عن المنكر إذا فعل فعلًا يخرج عن الاختلاف، أي اختلاف العلماء. ويقال: إنما أمر بعض الناس بقوله، وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ، ولم يأمر جميع الناس، لأن كل واحد من الناس لا يحسن الأمر بالمعروف، وإنما يجب على من يعلم. ويقال: إن الأمراء، يجب عليهم الأمر والنهي باليد، والعلماء باللسان، والعوام بالقلب، وهنا كما قال ﵊: «إذا رَأَى أَحَدٌ مُنْكَرًا، فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وذلك أَضْعَفُ الإيمانِ» .
وروي عن عبد الله بن مسعود أنه قال: بحسب امرئ إذا رأى منكرًا، لا يستطيع النكير أن يعلم الله من قلبه أنه كاره. وروي عن بعض الصحابة أنه قال: أن الرجل إذا رأى منكرًا، لا يستطيع النكير عليه، فليقل ثلاث مرات: اللهم إِنَّ هذا منكر، فإذا قال ذلك فقد فعل ما عليه.
ثم قال تعالى: وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ يعني الذين يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر هم الناجون. ويقال: فازوا بالنعيم. ثم قال: وَلا تَكُونُوا في الاختلاف كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وهم اليهود والنصارى وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ فافترقت اليهود فرقًا والنصارى فرقًا، فنهى الله المؤمنين عن ذلك، ثم خوفهم فقال: وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ يعني دائم لا يرفع عنهم أبدًا، يعني الذين اختلفوا مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ البينات، أي العلامات في أمر محمد ﷺ، وبيان الطريق.
ثم بَيَّن منازل الذين تفرقوا، والذين لم يتفرقوا فقال تعالى: يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ يعني يوم القيامة حين يبعثون من قبورهم. ويقال: إن ذلك عند قوله تعالى: وَامْتازُوا
1 / 236