فتأثرت إتجاهات الكتابة التأريخية بهذا التفرق السياسي، فتعددت بذلك مراكز الثقافة الإسلامية، وتنافست فيما بينها، فكثر العلماء في الأمصار الإسلامية وترتب على ذلك ظهور «التواريخ المحلية للأمصار والمدن الإسلامية وخططها»، ومما هو جدير بالذكر أن هذا النوع من الكتابة التأريخية - التأريخ للمدن وخططها - انفرد به المؤرخون في ديار الإسلام عن غيرهم من الأمم المعاصرة لهم.
والتأريخ المحلي هو وليد الشعور بالإنتماء وتعبير صادق عن ارتباط المؤرخ بوطنه ومدينته واعتزازه بهما.
وقد اشتغل بعض المؤرخين المسلمين بالتأريخ للمدن الإسلامية وخططها، وأخذت كتابتهم صورا متعددة من صور المعالجة التأريخية، وإذا كان التأريخ لبعض المدن جاء عرضا في كتب السيرة، إلا أنه لم يحظ بوقفات طويلة يروي ظمأ، أو يشفي غلة، اللهم إلا ما كان يتصل بمدينة رسول الله ﷺ أو بمكة المكرمة، أو القدس الشريف، وهو ما يعرف ب «التأريخ للمدن المقدسة».