وأي مصلحة لرجل أعظم من أن يعيش وبجانبه رفيقة تلازمه في الليل والنهار، في الإقامة والسفر، في الصحة والمرض، في السراء والضراء، رفيقة ذات عقل وأدب، عارفة بحاجات الحياة كلها، تهتم بكل شيء يمس بمصلحة زوجها ومستقبل أولادها، تدبر ثروته، وتحافظ على صحته، وتدافع عن شرفه، وتروج أعماله، وتذكره بواجباته، وتنبهه إلى حقوقه، وتعرف أنها باجتهادها تجد في منفعتها كما تجد في منفعة زوجها وأولادها. وهل يسعد رجل لا يكون بجانبه امرأة يهبها حياته وتشخص الكمال بصداقتها أمام عينيه، فيعجب بها ويتمنى رضاها ويتوسل إليها بفاضل الأعمال ويدنو منها بعقائل الصفات ومكارم الأخلاق، صديقة تزين بيته وتبهج قلبه وتملأ أوقاته وتذيب همومه؟ هذه الحياة التي لا يشعر الرجال عندنا بشيء منها هي من أعظم الينابيع للأعمال العظيمة.
7
يا لبلاغته ساعة يصف المرأة المثلى! إنه يتوق إلى أن يلقى فيها زوجة وأما وأختا وصديقة وحبيبة وإلهة ومهذبة جميعا. وهو جائع عطش إلى كل ما تكنه ذاتها من رحمة وحنو وحزم وحب شامل. كم كان أمينا لخيالها في ذهنه ساعة قال: إنه كلما حاول أن يتصور السعادة رآها امرأة «حائزة لجمال المرأة وعقل الرجل.» •••
في كتاب «تحرير المرأة» الذي هز مصر يومئذ هزة عنيفة لم يطلب رفع الحجاب دفعة واحدة، بل هناك أقوال صريحة تدل على أنه ليس أقل من الباحثة اعتدال؛ مثلا:
إني لا أقصد رفع الحجاب الآن دفعة واحدة والنساء على ما هن عليه اليوم. «وإنما الذي أميل إليه هو إعداد نفوس البنات في زمن الصبا إلى هذا التغيير. فيعودن بالتدريج على الاستقلال ويودع فيهن الاعتقاد بأن العفة ملكة في النفس لا ثوب يختفي دونه الجسم. ثم يعودن على معاملة الرجال من أقارب وأجانب مع المحافظة على الحدود الشرعية وأصول الأدب تحت ملاحظة أوليائهن.»
بل يعتقد: «أنه لو استمر تخفيف الحجاب يتقدم بالسرعة التي سار بها إلى الآن - والنفوس على ما هي عليه - لعمت البلوى وزاد الفساد انتشارا» ... «وليس الدواء في تغليظ الحجاب لأنه مستحيل، بل من متممات شئوننا أن نحافظ على هذه الحالة: «حالة الاختلاط بالأجانب وقبول الصالح من عاداتهم» متقين المضار التي نشأت عنها. والطريقة الناجحة والحجاب المنيع هي التربية الصالحة.» «والذي أراه في هذا الموضوع هو أن الغربيين قد غلوا في إباحة التكشف للنساء، وقد تغالينا نحن في طلب التحجب» ... «وبين هذين الطرفين وسط؛ هو الحجاب الشرعي، وهو الذي أدعو إليه.»
يمكننا اليوم أن نتخيل بسهولة بأي حدة وغضب قوبلت هذه الدعوة الجسورة، وكيف هب البعض يدحضونها ويرمون صاحبها بالكفر. أما هو فقرأ تلك الانتقادات بتمعن ورد عليها بحصافة في كتاب «المرأة الجديدة» حيث قال:
وعلى أننا بعد أن دققنا النظر في جميع ما قيل أو كتب في هذا الشأن، لا نزال على رأينا ولم يزدنا تكرار البحث فيه إلا وثوقا بصحة ما ذهبنا إليه. «لو لم يكن في الحجاب من عيب إلا أنه مناف للحرية الإنسانية، وأنه صار بالمرأة إلى حيث يستحيل عليها أن تتمتع بالحقوق التي خولتها لها الشريعة الغراء والقوانين الوضعية، فجعلها في حكم القاصر لا تستطيع أن تباشر عملا ما بنفسها مع أن الشرع يعترف لها في تدبير شئونها المعاشية بكفاءة مساوية لكفاءة الرجل، وجعلها سجينة مع أن القانون يعتبر لها من الحرية ما يعتبره للرجل - لو لم يكن في الحجاب إلا هذا العيب لكفى وحده في مقته وفي أن ينفر منه كل طبع غرز فيه الميل إلى احترام الحقوق والشعور بلذة الحرية. ولكن الضرر الأعظم للحجاب فوق جميع ما سبق هو أنه يحول بين المرأة واستكمال تربيتها.»
ولعل هذا الرجل سليل الأمير الكردي تسعى أبدا في مجاري دمه ومطاوي روحه تذكارات إغارات جدوده في جبالهم العصية وكل ما استنشقه آباء آبائه من هواء نقي وتمتعوا به من حرية، فما ذكر الحجاب والضغط إلا هتف:
أي نفس حساسة ترضى بالمعيشة في قفص مقصوصة الجناح مطأطأة الرأس مغمضة العينين، وهذا الفضاء الواسع الذي لا نهاية له أمامها والسماء فوقها والنجوم تلعب ببصرها وأرواح الكون تناجيها وتوحي إليها الآمال والرغائب في فتح كنوز أسرارها ؟
অজানা পৃষ্ঠা