بغير قحطان لم يبرح به أود
وباغتيال المتوكل ختم هذا الطور وطويت آخر صفحة من صفحات العظمة، التي كانت تظلل خلائف بني العباس.
الفصل الثاني
استئثار الجيش بالسلطة (247-334)
اختلف على كرسي الخلافة في هذا الطور ثلاثة عشر خليفة، وفي هذا الطور تفاقم تحكم الجنود في سياسة الدولة، واستهانوا بما للخلافة من حرمة، فراحوا يبايعون ويخلعون، وينصبون ويعزلون، تبعا لأهوائهم وحسب ما توحي إليهم مصالحهم الخاصة، أما مصالح الشعب فإنها لا تكاد تخطر لهم على بال، وإذا تضاربت مصالحهم وتصادمت مطامعهم فزعوا إلى سيوفهم فحكموها في حل مشاكلهم.
ولما رأى الخليفة المستعين أن القوم لا ينتهون من فتنة إلا إلى أخرى، انتقل بالفريق المخلص من جنده إلى مدينة السلام، وأمر بإقامة الأسوار على الجانبين، وقصده أجناد سامراء فحاصروا بغداد، فامتنعت عليهم في أول الأمر، ولكن الخليفة المستعين لم يلبث أن استكان بعد مرور سنة على الحصار، فخرج من الرصافة بقصد الفرار، فوقع أسيرا بيد أعدائه، وبعد أن استنزلوه عن الخلافة قتلوه وبايعوا المعتز بن المتوكل، وبذلك عاد كرسي الخلافة إلى سامراء ثانية، وعاد الأجناد إلى شغبهم وهراشهم، فلما طال ذلك بينهم وخشي عقلاؤهم أن يتفانوا عن آخرهم قر رأيهم أن يكون على رأسهم أحد أقرباء الخليفة ليكف بأس بعضهم عن بعض، فرأى المعتمد أن يعهد بهذا المنصب إلى أخيه طلحة الموفق، فعهد إليه بذلك، وولاه معظم الأقاليم التابعة للدولة حتى أصبح الخليفة الحقيقي، وكانت كلمته هي العليا، ولم يبق بيد المعتمد إلا الخطبة والسكة والاسم.
وفي هذا الطور استخف أمراء الأطراف بأمر الخلافة في المركز، فاستبدوا بما تحت أيديهم من ولايات واستقلوا بها، ولم يبق للخلافة فيها إلا العلاقات المعنوية، وفي هذا الطور أيضا كثرت الفتن الداخلية، فكانت ثورة الزنج في البصرة وما يليها من أرض السواد، ولم يتم القضاء عليها إلا بعد خطوب وحروب أسفرت عن خراب البلاد وانطماس أعلام الحضارة فيها، وكذلك اضطرمت بلاد العرب بفتنة القرامطة التي استشرى شرها وتطاير شررها، فأتت على معالم العمران في الجزيرة العربية وما يليها من أطراف العراق والشام. ومن أهم الأحداث أيضا نقل الخليفة المعتضد مقر الخلافة من سامراء إلى بغداد، فعاد لبغداد مركزها السياسي الأول.
وفي هذا الطور اضطرمت فتنة ذهب ضحيتها أكبر أديب عباسي؛ ذلك أن بعض أهل الحل والعقد رأوا أن يخلعوا المقتدر لصغر سنه ويبايعوا عبد الله بن المعتز لمكانته في الأدب وحصافة الرأي؛ فثار عليه خدم المقتدر وحشمه واضطروه إلى الفرار والاختفاء، وانتهى الأمر بالقبض عليه وحبسه وتعذيبه حتى مات، وكذلك قتل معه جميع أعوانه وبطانته.
وفي عهد الخليفة الراضي أحدث منصب أمير الأمراء، وهو منصب مهم يخطب لصاحبه على المنابر، وإليه المرجع في كبير أمور الدولة وصغيرها، وأول من تولاه محمد بن رائق، وصارت أموال الدولة تحمل إلى خزائنه، فيتصرف بها كما يريد وينفذ للخليفة ما يريد، وكان هذا المنصب السبب في كثرة النزاع بين الطامعين من رجال الدولة، من ذلك أن رجلا يقال له البريدي - أحد عمال الأقاليم - جهز جيشا، فغزا به بغداد في دجلة واحتلها في 12 من رمضان سنة 329، فاضطر الخليفة إلى أن ينتقل إلى الموصل وفيها بنو حمدان، وعلى رأسهم ناصر الدولة، فاستنجده لطرد البريدي من بغداد ففعل، وعلى أثر ذلك قلده إمارة الأمراء، وكانت مدة احتلال البريدي ثلاثة أشهر وعشرين يوما، ذاقت بغداد خلالها ألوانا من العسف والنهب والتدمير وهتك الحرمات مما يطول وصفه.
الفصل الثالث
অজানা পৃষ্ঠা