فقال: أما تتزوجين أبدا؟
قالت: هذا ما لا أعلم، إن المستقبل لله، ولكنني أتزوج متى رأيت رجلا يقدر أن يمحو حب فؤاد من قلبي، وليس قبل ذلك.
قال بحنق: إذن أنت لا تحبينني، وقد تحبين غيري؟
فعرفت هي ما ينوي، ولكنها لم تبال، بل قالت بصدق وجرأة: نعم إنني لا أقدر أن أحبك مع أنني أعتبر إخلاصك، وأود لو كان بإمكاني إجابة طلبك، لكن على رأي أحد كتبة السوريين: إن الحب ليس بغرسة يغرسها الإنسان أي وقت شاء ويقتلعها متى شاء.
فعند هذا الكلام وقف أمامها وتهيأ للذهاب، ورمقها بنظرة أحد من السهام قائلا: لا تستخفي بحبي يا بديعة ولا تضحكي من تذللي، بل اعلمي أن الحب قد يتحول إلى بغض، ويكون في هذا الوقت تأثيره أشد من الأول، فاحذري. قال هذا وتركها فريسة الأفكار وذهب.
الفصل السابع عشر
الإخلاص الحقيقي
وبعد ذهاب الشاب سقطت من عينيها دمعتان ربما كانتا شكرا لله على ذهاب ذلك الشاب عنها، أكثر مما كانتا حزنا على حالتها، ومع وفرة عقلها وصبرها قالت منقادة بغريزة الإنسان الذي يمل من التشكي: يا رب هل أنا مستحقة كل هذا؟ أعيش يتيمة فقيرة لا أحظى بحب الوالدين، ولا أعرف حنوهما، ولا يدفأ قلبي من حرارة تعزيتهما، ثم أسعد بحب شاب كنت أظنه محبا فأحرمه، وإذا بشاب وقح كهذا يتوعدني أو يعذبني وأنا في بلاد غريبة. أواه! إنني لا آمن من الذهاب للبيع وحدي فيما بعد، ولا أحب أن يطلع أحد على أسراري. وهذا الرجل سوف يلازمني ملازمة ظلي لي، وأي مكان رآني فيه سوف يردد على مسامعي جمله الحبية الباردة فكيف العمل؟
ثم تذكرت قولها لجميلة على ظهر تلك الباخرة من أن الإنسان خلق ليكون تعيسا إن كان فهيما عاقلا وسعيدا إن كان غبيا جاهلا.
ولم تحس بديعة بوجود شخص ثالث بالقرب منها يحجبه عن نظرها جذع دوحة عظيمة، وهو قد كان في ذلك المكان من مدة وقد سمع معظم حديثها مع نسيب، ومع أنه عرف بأن التنصت في غير محله من قلة الأدب فإنه فعل ما فعل متعمدا؛ غيرة على من يفديها بالروح واندفاعا بوحي خفي كان يدله على الحاجة إليه في ذلك الوقت. ومع أنه سمع تهديد الشاب للفتاة فلم يظهر نفسه له لئلا يجعل له سبيلا للغيرة الممقوتة. ولكنه بعد أن سمع تأوه بديعة ونظر إلى ارتباكها لم تطاوعه نفسه على ملازمة الحياد كما فعل في المرة الأولى بل مشى نحوها وقلبه يختلج في صدره، ولما وصل إليها قال بصوت ضعيف: لا تخافي يا بديعة فإنك لست وحدك.
অজানা পৃষ্ঠা