وبعد أن مرت هذه الأفكار بمخيلة بديعة وهبتها قوة جديدة لمقاومة الهموم؛ لأن الذي يحب عمل الخير ويرغب فيه يجد به سلوى عن كل غم وهم في الحياة.
وكان نسيب وبديعة شعرا باحتياج كل منهما إلى سريح الأفكار في فضاء الماضي، فأعطيا لبعضهما فرصة، وكان أول من انتهى نسيب الذي التفت إلى بديعة وقال: قلت لك ما جرى باختصار، وقلت بأنني أتيت إلى هنا لكي ... فهل تعلمين لماذا؟
قالت: إنني أجبتك قبل الآن.
قال: لم يكن شيء من ذلك، بل مجيئي هو كي أطالبك بوعدك.
فقالت بلطف: لم أعلم بأنني مديونة لك بوعد ما، فهل لك أن تصرح؟
فقال: هل نسيت؟ هل ذهب عن فكرك ذكر تلك المرافقة إلى الضبية؛ إذ فتحت لي طريق العذابات، ولولا أملي بالسعادة المقبلة لما قدرت على تحملها.
وهذه المرة الثانية التي كذب عليها فيها؛ لأنه إذ أراد أن يوهمها بأنه كان في الوطن يقاسي العذابات لأجلها كان، في نيويورك مع رفيق له ينتقل من حانة إلى أخرى، ولما يمتلئ رأسه من الخمور يأخذ القلم ويكتب إلى خالته وإلى فؤاد مكاتيب الوشاية ببديعة ليمنع فؤادا عن اللحاق بها، حتى يكون قد أتم حيلته وفاز بالاقتران بها. ومع أن قصد نسيب كان حسنا من بديعة؛ لأنه رآها جوهرة فلم يرد أن يخسرها، وقال: المرأة الفاضلة لمن يجدها؛ لأن ثمنها يفوق اللآلئ.
وقد جعل واسطته شريرة قصير الغاية شريرة.
فظهرت على وجه بديعة لوائح التبصر والارتباك بغتة، وكأنها لم تفطن قط بأن ذلك الشاب يحبها وأنه خاطبها مرة بأمر الحب؛ لأنها هي لم تكن تحبه ولا يلازم فكر الإنسان إلا الشيء الذي يشعر به. فقالت له بجد: أجل إنني أذكر تلك المقابلة جيدا، ولكنني لا أذكر صدور وعد ما مني فيها.
فلحظ الشاب وتجاهل بأنه عرفه إذ قال: إذا كنت نسيت فأنا أذكرك بوعدك الذي كان قولك «بأن لكل مقام مقالا.»
অজানা পৃষ্ঠা