وكانت والدة فؤاد تنظر إليه وهو يحدث بديعة، وترى دلائل السرور واللهفة بادية على وجهه المحول إلى حبيبته، بينما وجه هذه مبرقع ببرقع من الحشمة الحقيقية، وهي مطرقة بعينيها إلى الأرض. فقالت لنسيب: انظر إلى وجهيهما. وإذ نظر هذا أحس بحربة طعنت أحشاءه، فأرجع نظره إلى خالته متظاهرا بالتجاهل وقال: لأي سبب كان هذا السؤال يا سيدتي؟
فقالت له خالته: لترى الفرق بين نقاوة النية وفسادها، وليتبين لك ولي عظم عملنا الشرير.
فضحك ذلك الشاب وقال: المرأة ضعيفة ولو افتتحت الممالك.
الفصل الثامن
نتيجة الخيانة
وبقيت بديعة بمعاشرة فؤاد تتقدم إلى الاطمئنان والوثوق بإخلاص سيدتها يوميا، حتى زال من فكرها كل ريب إلا في سعادتها المستقبلية، وكأنها نسيت الدنيا كلها ما عدا هذا الأمر، وكان نسيب يظهر لها كل اعتبار ولطف وإخلاص، ويعاملها معاملة سيدة أو معاملة ربة بيت مقبلة، ولم يعلم أحد بالأمر الذي كان مكتوما حتى عن الخدم نفوسهم، ولما انقضت تلك الأيام السعيدة، وما أقصر أيام السعادة بالحياة! ودنا حلول وقت رجوع فؤاد إلى المدرسة، رجعت إلى بديعة همومها وشعرت بما يقلقها ويزعجها بدون أن تدري لذلك سببا، وكانت تخشى بعاده عنها، ولكنها لم تظهر له هذا لئلا يمتنع عن الرجوع لإتمام دروسه واستحصال الشهادة النهائية بتلك السنة. أما فؤاد فإنه بأول الأمر تردد عن الذهاب، ولكنه ما لبث أن اقتنع بوجوب هذا الأمر الذي لا مفر منه، وجرأته بديعة بقولها له إنها تحب العلوم فوق كل شيء وإنها ستكون سعيدة مع والدته وستذهبان لزيارته مرارا.
وفي صباح أول يوم من أيلول قبل فؤاد والدته وصافح يد بديعة، ونزل هو ونسيب إلى حيث كانت العربة بانتظارهما، فذهبا إلى المدرسة وبقيت السيدة مريم وبديعة تنظران إليهما، فلما توارت تلك العربة عن أنظارهما رجعتا إلى الدار، وفي تلك الدقيقة وما بعد شعرت بديعة أن زمن اضطراباتها قد أقبل؛ لأن معاملة أم فؤاد لها تغيرت بالكلية.
وبعد مرور أسابيع على رجوع فؤاد وقرب مجيء والده من مصر اشتغل طبخ الكيميا بين أم فؤاد ونسيب الذي كان يحثها على إنهاء كل شيء قبل قدوم عمه.
وفي أيام تشرين أول، الجميل بطقسه والمعتدل ببرده وهوائه، كانت بديعة في غرفتها تقرأ كتابا كان قد وصلها من فؤاد في ذلك النهار، وهي تبكي تأثرا لأسباب مقبلة يوحي بها إليها قلبها، فسمعت غير دقات قلبها الداخلية دقات مثلها خارجية عرفت أنها على الباب، فقامت لتفتحه ودموعها منهملة على خديها، ولم تنس بديعة قط تلك السيدة الطويلة القامة التي رأتها واقفة على الباب، واضطرب منها قلبها للمرة الثانية. وكان لبديعة الآن دالة على سيدتها لم تكن لها من قبل، فسألتها بلهفة عن سبب اضطرابها الظاهر، أجابت تلك السيدة: ادخلي يا عزيزتي؛ لأنني أتيتك بخبر هام جدا لا أدري كيف أفاتحك به.
وشعرت بديعة بقشعريرة في جسمها، فقالت: قولي ما شئت يا سيدتي فقد تعودت استماع الأمور الهامة فألفتها.
অজানা পৃষ্ঠা