ولما لحظت هذا سررت لأنها وفرت علي مئونة التعب بما أظنه أنا يسرها، وهو بالحقيقة لا يهمها. ولما عرفت بأن معاملتها «واجب تقضيه» استرحت من إظهار الحب لها مسرورا.
وفي أحد الأيام قبل خروجي من المستشفى بيومين أتت تلك الصديقة، وأخبرتني القصة تماما وقالت لي بأنها رهنت الخاتم تحت مبلغ من النقود، وأنها لم تصرف علي أكثر من ثلاثين ريالا، فمتى وفيتها آخذ الخاتم. وأردفت بقولها: لأنني أعلم كم هو عزيز على قلبك ...
فتأملي كم كان شكري وإعجابي بأمانة هذه الفتاة الشريفة على الواجب الذي فضلته على خاتم يسوي ثلاثمائة ريال.
ولم يمض على خروجي من المستشفى غير أيام حتى دعيت إلى بيت لوسيا بالعجل، ولما وصلت وجدتها تبكي بكاء مرا فوق رأس نسيب الذي كان يسيل دمه، فأخذتني الرعبة من منظره وحزنت لأجله. وبعد الفحص وجدت أن أحد أصدقائه طعنه في صدره لأسباب كثيرة الحدوث على موائد القمار. ولما فتح عينيه ورآني فوق رأسه صرخ بأعلى صوته: أهذا أنت يا فؤاد؟ آه ... ما أشرفك وما أشرني! ما أسعدك وما أشقاني! ما أودعك وما أغلظني! فأبشر يا ابن خالتي بالسعادة التي تنتظرك لأنك عن قريب تلتقي ببديعة وتقترن بها وتعيشان سعيدين، بينما أنا أكون نلت جزاء خيانتي وذهبت نفسي إلى خالقها؛ لتقف أمامه ذليلة من ذنوبها الماضية التي أعظمها خيانتي لك ولبديعة.
وكنت أنا أسمع كلامه وأظنه يهذي. ولما انتهى ارتبت في أمره واقتربت منه قبل فوات الفرصة. ولما دنوت منه ووضعت يدي على رأسه قال لي: ادن مني لأن عندي أخبارا تهمك، ودع هذه المرأة وهؤلاء الناس يخرجون. فأومأت أنا إلى لوسيا والحاضرين فخرجوا، وأخذ يسرد علي مؤامراته عليك مع والدتي، وتزويره التحارير عن لساني ولسان والدي إليك، ثم عن لسانك إلي. وأخبر بديعة ما بالقصة كما صارت وأخبره عنها نسيب ثم قال فؤاد، وهذا أخبرني به ذلك الخبيث الماكر.
فثبت لبديعة ما كان عندها من قبل ظنا وقالت لفؤاد بحزن: لا تقل عنه هكذا؛ لأنه يجب علينا اعتبار الموتى مهما كانوا أشرارا، وفضلا عن هذا فهو ابن خالتك وقد ربيتما معا، وإنني لمتعجبة كيف قدرت أن تخيب قصته ولم تبك وهو قد مات تائبا.
فابتسم فؤاد وقال: لو كان مات تائبا لكنت حزنت وسررت معا، ولكنه لم يمت بل شفي ورجع إلى مرسح أعماله الأول يمثل عليه أفظع رواياته الشريرة. فهو لم يتب إلا حينما شعر بأن يد الموت الحديدية تقبض على روحه. ولما أحس بأنه أفلت منها أفلت نفسه من عقال توبته ورجع إلى ما كان عليه، ولكن الله رحوم؛ فإن خوفه من الموت خلص قلوبا دامية محبة ...
فقالت بفرح: إذن هو لم يمت؟ ولكن هل قابلت الشر بمثله يا فؤاد أم أنك تبعت وحي نفسك الشريفة الآمرة بالمغفرة؟
أجاب: فعلت الأمر الأخير لأني استدنت خمسمائة ريال، صرفت أكثرها عليه لأنه فقير، وكل المال الذي تحصله تلك الفتاة الجاهلة يصرفه على القمار، وقد دفعت مائة ريال إلى تلك الممرضة الصديقة، واسترجعت منها الخاتم بألف جهد؛ لأنها أبت إلا أخذ المبلغ الذي صرفته فقط.
وبقيت معتنيا به إلى حين شفائه، فبحثت عنك فقيل لي بأنك سافرت إلى الوطن، فرجعت إليه مطمئنا مسرورا لأنني لم أشك بالحصول على صفحك، ولكن دوار البحر والحزن من المصائب الماضية والأسف على تركي ذلك الأثر القبيح لنفسي في أمريكا؛ كل هذه أمور ساعدت على انحطاط قواي كما ترين.
অজানা পৃষ্ঠা