خامسا:
الذين لهم بيوت سعيدة والذين يحتاجون إليها.
ولا أحب الاعتذار الكثير عن الخلل ولا الترجي بالتجاوز عنه، بل أقول بكل بساطة وحرية: إنني علقت في هذه الرواية كل ما حضرني وخطر لي من الخواطر في بضعة الشهور التي انقطعت فيها عن متابعة الكتابة في «الهدى» وهي ستة، وكان قصدي المساعدة على الخدمة والإصلاح بما في الوسع وليس دون ذلك أم فوقه، ولم أكتب كلمة إلا رجوت من ورائها النفع العام لأبناء وبنات جنسي، فإن كان الأمر ما حسبته فمكافأتي الوحيدة المبتغاة منهم هي تدبر كلامي والعمل بما يرونه حسنا منه، أو انتقاده الذي هو عندي من خير المكافأة على أتعابي أيضا.
وأخالف عادة البعض ثالثا بأنني أشترط على القراء شروطا، منها: أن يتأكدوا بأنني لم أهتم كثيرا في روايتي هذه بتنسيق الحوادث وسردها؛ إذ لكل قارئة وقارئ روايات مما يمر عليهما ومعهما وأمامهما كل يوم، بل كانت غايتي التي أعتبرها أسمى من كل تنسيق وتنميق والتي وجهت إليها أكثر عنايتي: «بث الأفكار الإصلاحية التهذيبية الانتقادية»، ومنها التوسل إلى أبناء وطني أن يتناسوا بعض العوائد السورية، وألا يذكروا بأن المؤلفة امرأة سورية ولو عند قراءة الرواية فقط؛ ذلك لأنني وأنا أكتب هذه السطور بأذن ضميري انتقادهم على المؤلفة لأنها كتبت عن «الحب والزواج»، وأنظر بعين فكري «ازورار الأعين» وعض الشفاه، وأنا لا أبالي بكل هذه العادات المذمومة التي هي من الحوائل في سبيل تقدم النساء وحرمان هذا الجنس من نصائح بناته، بل إنني أخشى على ذهاب الفائدة مع القراء الذين يعتقدون بهذه الحشمة المضرة التي توقف المرأة عن تقديم المفيد لبنات جنسها، ومعلوم أن الذي لا يعتقد بوجوب الشيء لا يستفيد منه.
وأكرر توسلاتي القلبية إلى البعض من القراء، ولا سيما إلى النساء أن يترووا في قراءة هذه الرواية الصغيرة، وألا يدنوا من الحقيقة حتى إذا كادت تصافحهم نفروا منها سراعا إلى الوهم، أي أن يقرءوا بتمعن ويطرقوا بصبر الطريق الموصلة إلى الحوادث المبثوثة بين الأفكار، بأن يعتبروا ما حل بفؤاد وما عملت بديعة وما لقيته لوسيا بعد معيشتها المتطرفة. كل هذه أمور مشوقة، ولكن الأفكار التي قد يحسبونها «مملة» هي مفيدة، والفرق بين الفائدة واللذة عظيم.
وفي الختام، أنبه القراء الكرام إلى أن روايتي هذه هي باكورة مؤلفاتي وأنها لامرأة سورية، فانتقادها يأتي بالفائدة المطلوبة، وتقريظها قائم في «الرضى عنها». وهنا يجب أن أصرح بأمر على غاية من الأهمية، هو أن الرواية كتبت بقصد الخدمة المجردة لا بقصد الأرباح المادية. وأن ما يباع منها بعد أداء أجرة طبعها يكون للإحسان، وأن كل سيدة مشتركة في «الهدى» لها حق بنسخة منها ترسل إليها مجانا، فإذا لم تصلها يجب أن تطلبها مني أو من إدارة «الهدى». وما هذا إلا بعض الواجب علي من الخدمة العامة، وبعض الدليل على حسن القصد. وأنا لكم سيداتي وسادتي القراء المخلصة في خدمة الوطنية والآداب.
عفيفة كرم
الفصل الأول
الصيف
في إحدى ليالي الصيف المقمرة خرج سرب من فتيات إحدى قرى لبنان للاستملاء من عين القرية الواقعة على نحو مسافة ميل من البيوت في قرار واد عميق، وكان بين هؤلاء الفتيات اثنتان تفوقان أترابهما جمالا وتفضلانهن حسنا واكتمالا كما يفضل القمر والشمس الكواكب. وكانت إحداهن في السابعة عشرة من عمرها، بيضاء اللون سوداء العينين والشعر والحاجبين، ذات لون يكاد يبهر الناظر بنقائه وجماله تحت ذلك الليل الدامس من الشعر الطويل، وفوق ذلك الوجه الناصع البياض والممتلئ رواء مما يندر وجوده في امرأة؛ لأن الشعر الفاحم والعينين السوداوين من لوازم اللون الأسمر، كما أن العينين الزرقاوين والشعر الذهبي أو الأشقر من خصائص اللون الأبيض. وكانت معتدلة القوام نحيلة الخصر صغيرة الثغر منتسقة الأسنان، وكانت الأخرى في العشرين من عمرها تمثل نوع الجمال الحنطي ومكملاته من العينين الكستناويتين والشعر المماثل لهما بلونه.
অজানা পৃষ্ঠা