من خوفك حتى تبلغ الأمن خير ممن آمنك حتى تبلغ الخوف١. ولما حضر بشر بن منصور٢ الموت فرح، فقيل له: أتفرح بالموت؟ فقال: أتجعلون قدومي على خالق أرجوه كمقامي مع مخلوق أخافه.
وقال عمر: إذا أنا لم أعلم ما لم أرَ فلا علمت ما رأيت. وقال مسلمة٣ بن عبد الملك: ما حمدت نفسي على ظفر ابتدأته بعجز، ولا لمتها على مكروه ابتدأته بحزم. وقال٤: الغنى في الغربة وطن، والفقر في الوطن غربة.
وقال ابن عباس: كم من أذنب وهو يضحك دخل النار وهو يبكي، وكم من أذنب وهو يبكي دخل الجنة وهو يضحك. وقال أعرابي لرجل: إن فلانًا وإن ضحك لك فإنه يضحك منك، فإن لم تتخذه عدوًا في علانيتك فلا تجعله صديقًا في سريرتك. وقال علي ﵁: إن أعظم الذنوب ما صغر عند صاحبه. وقال الحسن: كثرة النظر إلى الباطل تذهب بمعرفة الحق من القلب.
وشتم رجل الشعبي٥ فقال له: إن كنت كاذبًا فغفر الله لك، وإن كنت صادقًا فغفر الله لي٦. وأوصى يزيد بن معاوية٧ غلامًا فقال: اعلم أن الظن إذا أخلف فيك
_________
١ في البيان ٩٧/ ٣: وقال الحسن للمغيرة بن مخارش التميمي ... إلخ، ومن جيد الطباق قول أبي بكر لخالد: احرص على الموت تُوهَبْ لك الحياة.
٢ ناسك صالح ورع من جلة رجال العصر الإسلامي الأول.
٣ أمير قائد أموي له فتوحات مشهورة، وكان شجاعًا خطيبًا وبارع اللسان جوادًا ولم يكن في ولد عبد الملك مثله "١١٤/ ٣ بيان".
٤ وتنسب هذه الحكمة لأرسطو، ولبعض الشعراء:
الفقر في أوطاننا غربة ... والمال في الغربة أوطان
"٢٠٣ رسالة الغفران، طبعة ١٩٠٣ بمصر".
٥ راوية يضرب المثل بحفظه، ولد ونشأ ومات بالكوفة سنة ١٠٣، وكان نديم عبد الملك بن مروان، وتقدمت له ترجمة.
٦ راجع هذه الرواية في البيان ٦٩/ ٢، والكامل ١٩٠ الطبعة القديمة.
٧ الخليفة الأموي الثاني، توفي سنة ٦٤ بعد أن مكث في الخلافة ثلاث سنين ونصف. وفي البيان ١١٩، ١٢٠/ ٢ نسبتها لمعاوية، وفي رواية الجاحظ: إذا أخلف منك أخلف مني فيك.