تكلم يا مولانا الشيخ الدجوي، تكلم يا أبيض الناس وجها وأفصح الناس لسانا، وأقسم لولا حبي لك لما خصصتك بهذا النداء. تكلم؛ هذا حين الكلام، لا تكفينا كلمة في الرد على هذا أو ذاك، لن يغنينا تفنيدك لأعداء الإسلام ما دام المسلمون أنفسهم مساكين، وما دام طلبة المعاهد الدينية في ظلمة قاتمة من هذه الحياة «الدنيا» التي رماهم بها نظام الأزهر العتيق.
اكتبوا ما شئتم، وارموا الناس جميعا بالإثم والفسوق، ولكن لا تنسوا أن الأزهر إن ظل على هذه الحال فلن يكون مآله غير الخراب، اعرفوا في أي عصر تعيشون، واعلموا أن الدين لن ينهض بنفسه؛ لأن الحق لا حياة له إذا نام عنه أنصاره وأشياعه.
كذب رينان فاصدقوا أنتم، وضل تابعوه فاهتدوا أنتم، والحذر من أن تسكنوا إلى ما يمتدح به الممتدحون من مجد الحضارة الإسلامية في عهد العباسيين والفاطميين؛ فتلك أيام خلت، ولا ينفعنا الماضي بشيء إن لم نسبق أهل العصر إلى العلوم والفنون.
هذه كلمة أعرف أنها قاسية، ولكني أرجو حضرة المخلص، مدير جريدة الأمة أن ينشرها كاملة:
إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب .
وقد علقت جريدة الأمة على هذا المقال بما يأتي: «نشرنا هذه الكلمة ونحن نعلم أنها حادة حارة، ونعرف أنها ستغضب وترضي، ولم ننشرها فقط لرجاء الأستاذ كاتبها؛ فإن علينا فرضا أن نصدع بالحقيقة كيفما كانت ومهما أصابت. نعم، نشرنا هذه الكلمة؛ لأننا نتألم لما يتألم له كاتبها الأديب من قعود رأيناه ولم نزل نراه في سادتنا علماء الأزهر حماة الدين، سادتنا المسئولين عند الله قبل كل إنسان عن هذا الدين وما يصيبه من أعدائه - وهم عن ذلك غافلون أو مستيقظون ومعرضون.
ولسنا نعلم أي خير فيما يتوفر عليه العلماء من أساليب العمل في معاهدهم العظيمة؟ فعندهم كتب الفلسفة البائدة مشحونة بالجدل في الدين، لا نعلم ما قيمتها عندهم وما قيمة الاشتغال بها، وهي تتضمن شبهات وردت على الدين في أزمنة قديمة، وردها أهل الدين في تلك الأزمنة؟ أليس الاشتغال بها إضاعة للوقت في غير جدوى، بينما يسمعون ما أحدثه هذا العصر من شبهات أشد من تلك وأقوى؟
نرجو أن يخرج العلماء من عزلتهم ويستعيضوا من أبحاث الفلسفة القديمة وشبهاتها درسا لفلسفة هذا العصر وما استجد فيه من الشبهات، ولا يليق بهم أن يكونوا أصواتا تحكي أصوات أسلافهم الأقدمين في عصر لا يسمع هذه الأصوات ولا يعرفها.
إن العلماء لا يؤدون حق الدين عليهم إذا توالت هجمات أعدائه عليه وهم وقوف يشاهدون.»
زمان الصبا
অজানা পৃষ্ঠা