في الأزهر الآن جماعة من عشاق النهوض، تراهم إذا زرت الجامعة المصرية أو مدرسة الأزهر الفرنسوية، تراهم فلا تشعر بغير الإعجاب بهم والإعظام لهم، ولكنك تشعر بعد ذلك بكثير من الألم الممزوج بالإشفاق إذا قيل لك: إن هؤلاء قد يحسبهم زملاؤهم وأشياخهم غير مهتدين.
وقد زعمت ليلى بأني فاجر
لنفسي تقاها أو عليها فجورها
هؤلاء الشواذ - فيما يرى بعض الشيوخ - هم زينة الأزهر في القديم والحديث، وهم الذين اضطروا القائمين بالأمر في المعاهد الدينية إلى أن يتأملوا قول علي بن أبي طالب - كرم الله وجهه: «علموا أبناءكم؛ فإنهم خلقوا لزمان غير زمانكم»، وهم الذين تذهب نفسهم حسرات كلما رأوا وقوف الأزهر عند مبدئه العهيد، وشهدوا الزمن يمشي بأهله إلى ذرى المجد الشامخ، ألا إن التقدم حركة، فويل للواقفين.
كل ما في الأزهر من علم، وكل ما فيه من أدب؛ إنما هو من آثار الذكاء الذي قبره الزمن في تلك البقعة المحجوبة عن النور والضياء، وليس لتلك الإدارة المهدمة الجوانب غير ما نراه من عموم الجمود، وشمول الخمود، فمتى يبعث الله لهذا البيت العتيق من يأخذ بيده من تلك الهوة التي تردى فيها بفضل ما لأبنائه من عقوق؟ ومتى يتحقق الأمل في عشرين ألفا من الرجال قضى عليهم الجد العاثر والنجم الآفل، أن يكونوا وقودا للهيب الهمجية؟
اللهم غفرا! يزهر العلم في كل بلد، ويتقدم أهله في كل قطر، ويكون حظ الأزهر من بين جامعات العالم كحظ مصر من بين الأمم، ثم يعيش الأزهريون عيشة النائمين، لا هم أحياء فينتفعوا بما في الكون من مظاهر الحياة، ولا هم أموات فيحظوا بما بعد الموت من نعيم.
تلك آمالنا قضى عليها الإهمال، وهذي آلامنا يضاعفها إصرار «المصلحين» على دفننا أحياء في تربة اليأس القاتل، ولكنا سندفنهم - بحول الله - فيما ندفن من بقايا الخمول، فهل أدلكم على سبيل النجاة أيها الرفاق المتألمون؟
عليكم بالنظر في كتب المتقدمين من الشرقيين، والمتأخرين من الغربيين، ثم اتركوا الحثالة التي جاءت بين هذين العهدين لحضرات الزاهدين في التجديد، إنكم إن فعلتم ذلك ظهرتم عليهم، ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا.
4
لقد آن للأمة المصرية أن تنظر في نظام الأزهر وحياة الأزهريين؛ فإنه لم يبق شيء من خرافات العصر المنصرم، يوم كان الناس يظنون أن الأزهر باب الرحمة، ويوم كانوا يحسبون أن الجلوس في حلقات العلم ضمان من الفقر وأمان من النار، ويوم كان العامة ينسبون لشيخ الجامع حركات الأفلاك ونظام الكواكب؛ كل ذلك قد تبدل، وأصبح الناس أمام أمر واقع، وهو أن الأزهر معهد علمي يجب أن ينال من الأنظمة النافعة ما يضمن له البقاء والثبات.
অজানা পৃষ্ঠা