وكذلك يكون العارف بآداب هذه اللغة عارفا بآداب أمم عدة لا أمة واحدة، وإذا لاحظنا أيضا أن آداب اللغة العربية إنما هي آداب أمم مختلفة جمعها الدين وألف بينها الإسلام، كما أن آداب اللغة الإنجليزية آداب أمم شتى؛ عرفنا أن العارف بآداب اللغتين العربية والإنجليزية من أغزر الناس مادة في الأدب وأرسخهم قدما في عالم الشعر، فهنيئا لإخواننا الذين تمكنوا من آداب لغتهم العربية، ثم تكلموا بآداب اللغة الإنجليزية، فشربوا من الكأسين، وتحلوا بالفضيلتين، والسلام.
2
ألقيت خطبة في فندق شبرد تكريما للمستر ورتهام أستاذ آداب اللغة الإنجليزية، في الجامعة المصرية، رددت فيها على القائلين بوقوف الحركة الشعرية، لوجود الدواعي متماثلة متشابهة في كل العصور، ووازنت بين دواعي الشعر بالأمس ودواعيه اليوم، وأنحيت باللائمة على الشعراء الجامدين، الذين لا يزالون يترسمون خطوات من سبق، وهم عن الجد معرضون.
غير أني نظرت إلى تلك الدواعي من الوجهة الطريفة، فجعلتها في الرياض الزاهرة، والبحار الزاخرة، وفي البدور الطوالع، والشموس السواطع، وأضفت إلى ذلك ما يكتسبه الفكر من النظر في الآداب الأجنبية التي قد تزيد أدبنا وضوحا وبيانا، إذا عرفنا أن الناس من نفس واحدة، وأنهم يسعون إلى غرض واحد، وهو فهم حقيقة الكون والثناء على الله.
واليوم أقول: إن تلك الدواعي السالفة إنما هي لقوم بلغوا من الحضارة والرقي، ما يسمح لهم بالتفكير في الجمال، والتفنن في وصف غرائبه: من الظباء النوافر، والحسان الأوانس، ورأوا من قومهم نفوسا عاشقة لطرائف الحسن، وقلوبا تائقة لبدائع الشعر، فقالوا في وصف الرياض والأزهار والبحار والأنهار، والقصور المشيدة، والصروح الممردة، وخاطبوا النفوس الناعمة، والقلوب الوادعة، وانتقلوا من عالم الحس إلى عالم الخيال، فوصفوا أحلامهم اللذيذة، وآمالهم الحلوة، إلى غير ذلك مما يجد في قلوب أهل السعة ونفوس أهل الرغد ميدانا يمرح فيه وروضا يأنس به، وكذلك نفوس الشعراء، في أيام الرخاء.
أما دواعي الشعر في هذا البلد، وفي هذه الأيام فهي غير أسبابه تلك؛ لما ترى من الفرق الظاهر بين عامتنا وخاصتنا، وقلما يتغنى الخاصة بالشعر، وإن لم تصغ العامة إليهم، ويفتحوا لهم آذانهم وقلوبهم.
وهل يطرب الناس للشعر وهو يصف ما لا يحسون به، ويتحدث عما لم يستطيعوا إليه السبيل؟
ولقد كان عجبا عند الشاعر حافظ إبراهيم أن يجيد العرب وصف الناقة،
الذلول «الأوتومبيل»، ولو لحظ أن الشاعر العربي ما أطنب في وصف الناقة إلا لأنها كل شيء عنده، ولأن أهله ورفاقه يعرفون من صفتها ما يعرف؛ لعلم أن السر في عجزنا عن وصف الأتومبيل، ليس هو ضيق اللغة - كما زعم - بل لأننا ننظر إلى هذه المخترعات في الأرض كأننا ننظر إلى الشمس في السماء.
ما لنا ووصف هذه البدائع الفتانة، والنفائس الخلابة، ونحن لا ننعنم بها، ولا شيء فيها من صنع أيدينا؟ إذن فلنترك وصفها وتقريظها لشعراء الغرب أولئك الذين يجدون من السرور بركوبها ما كان يجده العربي وقد علا ظهر البعير البازل، أو تسنم الناقة الهوجاء.
অজানা পৃষ্ঠা