أن فعل المكلف إن كان بحيث يثاب على فعله ويعاقب على تركه فهو الواجب ، وإن كان بحيث يثاب على فعله ولا يعاقب على تركه فهو المندوب ، وإن كان يثاب على تركه ويعاقب على فعله فهو الحرام ، وإن كان يثاب على تركه ولا يعاقب على فعله فهو المكروه ، وإن كان بحيث لا يثاب ولا يعاقب على فعله ولا على تركه فهو المباح ، وسيجيء تفصيل ذلك فى فصل العدل إن شاء الله تعالى.
فالواجب فعل مكلف يثاب على فعله ويعاقب على تركه ، وهو اعم من العينى والكفائى ، لكن المراد منه هاهنا هو العينى كما هو المتبادر ، ويدل عليه قوله : فلا بد من ذكر ما لا يمكن جهله على أحد من المسلمين. وينبغى أن يعلم أن المراد من فعل المكلف أعم من فعل الجوارح والقلب على ما هو متعارف اللغة ليشمل وجوب الإيمان ، ضرورة أنه من الأحكام الشرعية وان لم يكن عمليا كما صرح به فى التلويح. فعلى هذا لا حاجة الى صرف الواجب هاهنا عما هو المتعارف فى الأصول وحمله على ما يكون جهله سببا لاستحقاق العقاب ، ولعرفانه مدخل فى استحقاق الثواب كما فعله بعض الشارحين ، على أن هذا المعنى غير صحيح فيما نحن فيه ، إذ المصنف جعل الواجب معرفة اصول الدين ، وذلك المعنى لا يصدق عليها بل إنما يصدق على نفس أصول الدين. فالاقرب إلى الصواب أن يفسر بمعرفة يكون تحصيلها سببا لاستحقاق الثواب ، وترك تحصيلها سببا لاستحقاق العقاب. والمراد من المكلفين العاقلون البالغون ، وستعرف معنى التكليف لغة واصطلاحا عن قريب.
من معرفة أصول الدين بيان لمعرفة ما يجب أو لنفسه.
والمعرفة يطلق فى المشهور على معان :
منها مطلق الإدراك على أن يكون مرادفا للعلم بمعنى حصول صورة الشيء فى العقل.
ومنها إدراك البسائط ، وفى مقابلتها العلم بمعنى إدراك المركبات.
ومنها إدراك الجزئيات ، وفى مقابلتها العلم بمعنى إدراك الكليات.
ومنها التصور ، وفى مقابلتها العلم بمعنى التصديق ، ولعله بهذه المعانى يقال : عرفت الله دون علمته ، فاعرف.
পৃষ্ঠা ৭০