من أن تحصى. وادعى النبوة فيكون صادقا ، وإلا لزم إغراء المكلفين بالقبيح فيكون محالا.
اقول : لما كانت المصالح تختلف بحسب اختلاف الأزمان والأشخاص ، كالمريض الذي يختلف أحواله فى كيفية المعالجة واستعمال الأدوية بحسب اختلاف مزاجه فى تنزلاته فى المرض بحيث يعالج فى وقت بما يستحيل معالجته به فى وقت آخر ، كانت النبوة والتشريع مختلفين بحسب اختلاف مصالح الخلق فى أزمانهم وأشخاصهم. وذلك هو السر فى نسخ الشرائع بعضها ببعض الى انتهت النبوة والشريعة إلى نبينا محمد الذي اقتضت الحكمة كون نبوته وشريعته ناسختين لما تقدمهما ، باقيتين ببقاء التكليف. والدليل على صحة نبوته هو انه ادعي النبوة ، وظهر المعجزة على يده ، وكل من كان كذلك كان نبيا حقا. فيحتاج الى بيان أمور ثلاثة : الأول ، إنه ادعى النبوة. الثاني ، انه ظهر المعجزة على يده. الثالث ، انه كل من كان كذلك فهو نبى حق. أما الأول ، فهو ثابت إجماعا من الناس بحيث لم ينكره أحد. وأما الثاني ، فلان المعجز هو الأمر الخارق للعادة المطابق للدعوى المقرون بالتحدى المعتذر على الخلق الإتيان بمثله. أما اعتبار خرق العادة إذ لولاه لما كان معجزا كطلوع الشمس من مشرقها ، وأما مطابقته الدعوى فلدلالته على صدق ما ادعاه ، إذ لو خالف ذلك كما فى قضية مسيلمة الكذاب لما دل على الصدق ، وأما التعذر على الخلق فلانه لو كان أكثرى الوقوع لما دل أيضا على النبوة. ولا شك أيضا فى ظهور المعجزات على يد نبينا ، وذلك معلوم بالتواتر الذي يفيد العلم ضرورة. فمن ذلك القرآن الكريم الذي تحدى به الخلق ، وطلب منهم الإتيان بمثله فلم يقدروا على ذلك ، عجزت عنه مصاقع الخطباء من العرب العرباء حتى دعاهم عجزهم الى محاربته ومسايفته الذي حصل به ذهاب نفوسهم وأموالهم وسبى ذراريهم ونسائهم ، مع انهم كانوا أقدر على دفع ذلك لتمكنهم من مفردات الالفاظ وتركيبها ، مع أنهم كانوا من أهل الفصاحة والبلاغة والكلام والخطب والمحاورات والأجوبة. فعدولهم عن ذلك الى المحاربة دليل على عجزهم ، إذ العاقل لا يختار الأصعب مع إنجاع الأسهل إلا لعجزه عنه ، ومن ذلك انشقاق القمر
পৃষ্ঠা ৩৬