قال : الثاني ، إنا فاعلون بالاختيار ، والضرورة قاضية بذلك ، للفرق الضرورى بين سقوط الإنسان من سطح ، ونزوله منه على الدرج ، ولامتناع تكليفنا بشيء فلا عصيان ، ولقبح أن يخلق الفعل فينا ، ثم يعذبنا عليه ، وللسمع.
اقول : ذهب ابو الحسن الاشعرى ومن تابعه الى ان الأفعال كلها واقعة بقدرة الله تعالى ، وانه لا فعل للعبد اصلا. وقال بعض الاشعرية ان ذات الفعل من الله ، والعبد له الكسب ، وفسروا الكسب بانه كون الفعل طاعة او معصية. وقال بعضهم معناه ان العبد اذا صمم العزم على الشيء ، خلق الله تعالى الفعل عقيبه. وقالت المعتزلة والزيدية والإمامية ، ان الافعال الصادرة من العبد وصفاتها ، والكسب الذي ذكروه كلها واقعة بقدرة العبد واختياره ، وانه ليس بمجبور على فعله ، بل له ان يفعل وله ان لا يفعل وهو الحق لوجوه : الأول ، انا نجد تفرقة ضرورة بين صدور الفعل منا تابعا للقصد والداعى كالنزول من السطح على الدرج ، وبين صدور الفعل لا كذلك ، كالسقوط منه إما مع القاهر أو مع الغفلة ، فانا نقدر على الترك فى الأول دون الثاني ، ولو كانت الأفعال ليست منا لكانت على وتيرة واحدة من غير فرق ، لكن الفرق حاصل ، فيكون منا ، وهو المطلوب. الثاني ، لو لم يكن العبد موجدا لأفعاله ، لامتنع تكليفه وإلا لزم التكليف بما لا يطاق. وانما قلنا ذلك لانه حينئذ غير قادر على ما كلف به ، فلو كلف كان تكليفا بما لا يطاق وهو باطل بالإجماع. وإذا لم يكن مكلفا لم يكن عاصيا بالمخالفة ، لكنه عاص بالإجماع. الثالث ، انه لو لم يكن العبد قادرا موجدا لفعله لكان الله أظلم الظالمين. وبيان ذلك أن الفعل القبيح إذا كان صادرا منه تعالى ، استحالت معاقبة العبد عليه ، لانه لم يفعله ، لكنه تعالى يعاقبه اتفاقا ، فيكون ظالما ، تعالى الله عنه. الرابع ، الكتاب العزيز الذي هو فرقان بين الحق والباطل مشحون بإضافة الفعل الى العبد ، وانه واقع بمشيته كقوله تعالى : ( فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم )، ( إن يتبعون
পৃষ্ঠা ২৭