فأجاب سعيد: أبلغ قولي من العمق أن يصعب عليك فهمه؟ هذه تحية لا أستحقها، ولكني لست أدري كيف تكون الشهور أجيالا.
فقالت علية ناظرة إلى فؤاد: لو رأيت ما رأيناه في الريف لعددت كل دقيقة بسنة.
فضحك سعيد وقال: أما أنا فإني لم أحس شيئا من هذا، كنت أستيقظ في الصباح فأتنفس من الهواء، وأفتح عيني على منظر الطبيعة الباسمة، وأستغرق أحيانا في تأملي خلال الليل المظلم الذي تتلألأ فيه النجوم، وأستمتع أحيانا بجمال الليالي القمراء الوديعة، هذا كل ما وجدت في الريف ولم ينقصني فيه إلا رؤية هذا.
وأشار إلى فؤاد.
فقالت علية: ولم تحس ألما من لذع بعوض الليل ولا ضيقا من وحشة حياة النهار؟!
فعادت القبضة إلى قلب فؤاد كأشد ما كانت تعذبه في الأسبوع الذي مر به، فلقد قصد بكلمته التي قالها أن فراق علية في هذه الشهور كان في نفسه يشبه فراق أجيال طويلة، ولكنها لم تشعر بتحيته وأخذت تتحدث عن ضيقها بحياة الريف وما فيها من مشقة.
وقال سعيد: لم أحس في الريف وحشة في الحياة ولا ألما، إن الوحشة في قلوبنا نحن إذا كنا نتطلع إلى أكثر مما تهب لنا الطبيعة، هناك في الأحياء من يحسون الشقاء الشديد؛ لأنهم لا يستطيعون الوصول إلى كأس مرة من الخمر، أو لا يصدعون رءوسهم بضجيج المجامع اللاهية الهازلة، أليس كذلك؟!
ونظر إلى فؤاد كأنه يستنجد به.
ولكن قلب فؤاد خانه، فلم يرد إلا بهزة من رأسه موافقا.
وقالت علية ناظرة إلى فؤاد: تصور عزلتنا هناك عن كل ما فيه حركة الحياة، حتى لقد كنا لا نستطيع الوصول إلى صحيفة ولا إلى كتاب.
অজানা পৃষ্ঠা