5
فإذا فرغوا من الغداء انصرفوا عنه، فنام حيث هو، ثم نهض فتوضأ. فانظر إلى الناس يستبقون ويختصمون أيهم يصب عليه الماء! فإذا فرغ فانظر إليهم يستبقون ويختصمون أيهم يصيب من وضوء
6
الشيخ جرعة! والشيخ عنهم في شغل، يصلي فيطيل الصلاة، ويدعو فيطيل الدعاء، حتى إذا فرغ من هذا كله جلس للناس وهم يتقاطرون عليه؛ منهم من يقبل يده وينصرف خاشعا، ومنهم من يتحدث إليه لحظة أو لحظات، ومنهم من يسأله حاجة، والشيخ يجيب أولئك وهؤلاء بألفاظ غريبة غامضة، يذهبون في فهمها وتأويلها المذاهب.
أدخل عليه الصبي، فمسح رأسه وتلا قول الله تعالي:
وكان فضل الله عليك عظيما ، من ذلك اليوم اقتنع أبو الصبي بأن سيكون لابنه شأن، فإذا صليت المغرب مدت الموائد وأكل الناس، ثم تصلي العشاء ، ثم ينصب المجلس.
ونصب المجلس عبارة عن اجتماع الناس إلى حلقة الذكر، يذكرون الله قاعدين ساكنين، ثم تتحرك رءوسهم وترتفع أصواتهم قليلا، ثم تتحرك أنصافهم وترتفع أصواتهم قليلا، ثم تنبث في أجسامهم رعدة فإذا هم جميعا وقوف؛ قد دفعوا في الهواء كأنما حركهم لولب، وقد انبث في الحلقة شيوخ ينشدون شعر ابن الفارض وما يشبهه من الشعر. وكان لهذا الشيخ خاصة كلف بقصيدة معروفة، فيها ذكر الإسراء والمعراج، أولها:
من مكة والبيت الأمجد
للقدس سري ليلا أحمد
كان الشيوخ يرتلونها ترتيلا، وكان الذاكرون يحركون أجسامهم على هذا الترتيل، ينحنون ويستقيمون كأنما يرقصهم هؤلاء الشيوخ ترقيصا.
অজানা পৃষ্ঠা