كان يو بو كين قد شن هجومه على الأوروبيين الآخرين في ذات الوقت. فلوري، الذي كان صديقا للطبيب ومصدره الرئيسي لاكتساب الوجاهة، فزع بسهولة حتى إنه تخلى عنه. أما ويستفيلد فكان أمره أصعب قليلا. إذ كان ويستفيلد رجل شرطة، ويعرف الكثير عن يو بو كين، وكان من الممكن أن يفسد خططه. فرجال الشرطة والقضاة أعداء طبيعيون. بيد أن يو بو كين عرف كيف يحول حتى هذه الحقيقة إلى ميزة. فقد اتهم الطبيب، دون الإفصاح عن هويته بالطبع، بأنه متحالف مع الوغد والمرتشي سيئ السمعة يو بو كين. وبذلك حسم ويستفيلد أمره. أما إليس، فلم تكن ثمة حاجة لخطابات مجهولة المصدر في حالته؛ فلا شيء على الإطلاق كان يمكنه أن يجعل رأيه في الطبيب أسوأ مما كان.
بل وأرسل يو بو كين واحدا من خطاباته المجهولة إلى السيدة لاكرستين؛ إذ كان يعلم بنفوذ النساء الأوروبيات. قال الخطاب: إن الدكتور فيراسوامي كان يحرض أهل البلد على خطف النساء الأوروبيات واغتصابهن، ولم ترد تفاصيل، ولا كانت ضرورية. وإنما لمس يو بو كين نقطة ضعف السيدة لاكرستين. كانت كلمات «فتنة» و«قومية» و«تمرد» و«الحكم الذاتي» في ذهنها تستحضر شيئا واحدا، شيئا واحدا لا غير، وهو صورة لها وهي يغتصبها سلسلة من العمال الشديدي السواد، وعيونهم تدور في محاجرها. كانت تلك الفكرة تؤرقها ليلا أحيانا. وهكذا أيا كان التقدير الذي ربما كان يكنه الأوروبيون للطبيب من قبل فقد راح يتهاوى سريعا.
قال يو بو كين بنبرة سرور: «أرأيت، أريت كيف نلت منه. إنه مثل شجرة نشرت من قاعدتها. دفعة واحدة وسوف يهوي. خلال ثلاثة أسابيع أو أقل سأعطيه تلك الدفعة.»
فقالت: «كيف؟»
رد عليها: «سأقول حالا. أعتقد أن الوقت قد حان لتسمعي بالأمر. صحيح أنك لا تفقهين هذه الأمور، لكنك تعلمين كيف تتكتمين. هل أتاك حديث عن هذا التمرد الوشيك قرب قرية ثونجوا؟» «نعم. إنهم حمقى جدا أولئك القرويون. ماذا يستطيعون أن يفعلوا بسيوفهم ورماحهم ضد الجنود الهنود؟ سوف يسقطون مثل الحيوانات البرية.» «بالطبع، إذا وقعت أي معركة ستكون مذبحة. لكنهم مجرد مجموعة من الفلاحين المؤمنين بالخرافات. لقد ركنوا إلى هذه السترات التافهة المضادة للرصاص التي وزعت عليهم. أزدري ذلك الجهل.» «يا لهم من رجال مساكين! لم لا توقفهم يا كو بو كين؟ ليس هناك ضرورة لحبس أي شخص. عليك فقط الذهاب إلى القرية وإخبارهم أنك تعرف خططهم، ولن يجرءوا أبدا على الاستمرار.» «حسنا، أستطيع أن أوقفهم إذا أردت بالطبع. لكنني لا أريد. ولدي أسبابي. الأمر وما فيه يا كين كين - ولتتكتمي على هذا الأمر - أن هذا التمرد خاص بي، إذا جاز التعبير. لقد أعددت له بنفسي.» «ماذا!»
سقط السيجار من يد ما كين. واتسعت عيناها حتى بدا بياضهما الأزرق الباهت المحيط تماما بحدقتيها. كانت مرتاعة، فانفعلت قائلة: «ماذا تقول يا كو بو كين؟ إنك لا تقصد ما تقول! أنت تثير تمردا ... لا يمكن أن يكون هذا صحيحا!» «إنه صحيح بالتأكيد. وسوف ننجزه على خير وجه. ذلك الساحر الذي أحضرته من رانجون رجل ماهر. لقد تجول في جميع أنحاء الهند ساحرا في سيرك. والسترات المضادة للرصاص اشتريت من متاجر وايت واي أند ليدلو، الواحدة بروبية وثماني آنات. لقد كلفتني مبلغا كبيرا حقا.» «لكن يا كو بو كين! تمرد! حيث ترتكب الفظائع من قتال وإطلاق نار، ويقتل كل أولئك الرجال المساكين! لا يمكن أن تكون قد جننت؟ ألا تخشى أن يطلق عليك النار أنت نفسك؟»
أمسك يو بو كين عن المشي، فقد اندهش. «يا للعجب يا امرأة، كيف جاءت على بالك تلك الفكرة؟ هل تعتقدين أنني سوف أتمرد على الحكومة؟ أنا! وقد ظللت موظفا حكوميا طوال ثلاثين سنة! يا للهول، لا! لقد قلت إنني أثرت التمرد، وليس أنني شاركت فيه. أولئك القرويون الحمقى هم الذين سيخاطرون بحياتهم، وليس أنا. إنه مما لا يخطر على بال أحد أن يكون لي أي شأن به، أو قد يكون لي أبدا، ما عدا با سين وواحد أو اثنين آخرين.» «لكنك قلت إنك أنت من كنت تحثهم على التمرد؟» «بالطبع، كنت قد اتهمت فيراسوامي بإثارة تمرد ضد الحكومة؛ ومن ثم لا بد أن يكون لدي تمرد لأثبت ذلك، أليس كذلك؟» «فهمت. وحين يندلع التمرد ستقول إن الدكتور فيراسوامي هو المسئول عنه، أليس كذلك؟» «كم أنت بطيئة! أعتقد أن حتى الأحمق كان سيدرك أنني إنما أثير التمرد حتى أقمعه. إنني ... ما ذلك التعبير الذي يستخدمه السيد ماكجريجور؟ عميل محرض. لن تفهميها، فهي لاتينية [العبارة التي قالها يو بو كين كانت بالفرنسية]. إنني عميل محرض. أولا: أحرض هؤلاء المغفلين في ثونجوا على التمرد، ثم ألقي القبض عليهم كمتمردين. في نفس اللحظة المقررة لبدايته سأنقض على الزعماء وأزج بكل واحد منهم في السجن. أظن أنه بعد ذلك ربما ينشب بعض القتال. ربما يقتل بعض الرجال ويرسل آخرون إلى جزر أندمان. لكنني في الوقت ذاته سأكون أول من يصل الميدان. يو بو كين الرجل الذي قمع انتفاضة غاية في الخطورة في اللحظة الأخيرة! سوف أكون بطل المنطقة.»
فخورا عن حق بخطته، راح يو بو كين يذرع الحجرة ذهابا وإيابا واضعا يديه خلف ظهره مبتسما. جعلت ما كين تفكر في الخطة لبعض الوقت، ثم قالت أخيرا: «ما زلت لا أدري لماذا تفعل ذلك يا كو بو كين. إلام سيفضي كل ذلك؟ وما علاقته بالدكتور فيراسوامي؟» «ألن أعلمك الحكمة أبدا يا كين كين! ألم أخبرك في البداية أن فيراسوامي يقف في طريقي؟ وهذا التمرد هو أنسب شيء للتخلص منه. لن نستطيع أبدا بالتأكيد أن نثبت أنه المسئول عنه؛ لكن ما أهمية ذلك؟ سيسلم كل الأوروبيين بأنه متورط فيه بطريقة ما. فهكذا تعمل عقولهم. سوف يقضى عليه إلى الأبد. وفي سقوطه سيكون صعودي. كلما استطعت تشويه صورته، بدا سلوكي أكثر جدارة بالثناء. هل فهمت الآن؟» «نعم، فهمت. وأعتقد أنها خطة حقيرة وشريرة. أعجب من أنك لست خجلانا حتى تخبرني بها.» «الآن يا كين كين! بالتأكيد ليس بنيتك الخوض في ذلك الهراء مرة أخرى.» «لماذا لا تكون سعيدا إلا وأنت تتصرف بشر يا كو بو كين؟ لماذا يجب أن يؤذي كل ما تفعله الآخرين؟ فلتفكر في الطبيب المسكين الذي سيفصل من عمله، وأولئك القرويين الذين سيطلق عليهم الرصاص أو يقرعون بالخيزران أو يسجنون مدى الحياة. هل من الضروري فعل مثل تلك الأشياء؟ ماذا قد تريده بمزيد من المال وأنت ثري بالفعل؟» «مال! من الذي تحدث عن المال؟ ذات يوم، ستدركين يا امرأة أن ثمة أشياء أخرى في العالم بجانب المال. الشهرة مثلا. العظمة. هل تدركين أنه من الوارد جدا أن يضع حاكم بورما وساما على صدري لتصرفي المخلص في هذه المسألة؟ حتى أنت ألن تكوني فخورة بشرف كبير مثل ذلك؟»
هزت ما كين رأسها، غير متأثرة. «متى ستتذكر أنك لن تعيش ألف عام يا كو بو كين؟ تفكر فيما يحدث لأولئك الذين عاشوا حياة شريرة؛ فهناك على سبيل المثال من تحول إلى فأر أو ضفدعة. بل وهناك جحيم. أتذكر ما قاله لي واحد من الكهنة ذات مرة عن الجحيم، شيء كان قد ترجمه عن الأسفار البالية، وقد كان بشعا جدا. قال: «كل ألف قرن سيغمد رمحان ملتهبان في قلبك، وسوف تحدث نفسك قائلا: «انتهى ألف قرن آخر من عذابي، وما ينتظرني أكثر مما مضى بكثير».» أليس مرعبا جدا أن تتخيل تلك الأشياء يا كو بو كين؟»
ضحك يو بو كين ولوح بيده بإشارة تنم على عدم اكتراث قصد بها «المعابد». «حسنا، أرجو أن تظل تضحك عندما تحين النهاية. أما أنا فلا أريد أن أتذكر حياة كتلك.»
অজানা পৃষ্ঠা